فساد الحكومة

تم نشره الثلاثاء 06 آب / أغسطس 2019 12:22 صباحاً
فساد الحكومة
جواد العناني

كنت أتساءل لماذا سمينا استهلاك الموارد الطبيعية والهبات الأساسية كالماء والتراب والهواء “بالتلوث”، ولم نسمه فساداً؟ ويُعرف الفساد من قبل الشيخ محمد رشيد رضا في كتابه “تفسير المنار” بأنه كل ما يُخرج الشيء عن الطبيعة التي خلقها بها الله.
ونحن عندما نعبث علمياً بتكوين الأشياء فإننا أيضاً نخلق لأنفسنا مشكلات جديدة، حتى ولو انطوى هذا البحث العلمي على نفع كبير وزيادة في كميات الانتاج لمواجهة الطلب الناجم عن زيادة أعداد السكان.
ونذكر أن روبرت مالقوس، أحد الاقتصاديين الكلاسيكيين في بريطانيا القرن التاسع عشر، نشر كتابه في نهاية القرن الثامن عشر بعنوان “بحث في مبدأ السكان ومقالات أخرى”. وأثار العالم في ذلك الوقت حين قال إن الغذاء في العالم ينمو وفق متوالية حسابية، (2، 4، 6، 8، 10، ….) بينما يتزايد السكان في العالم وفق متوالية هندسية (2، 4، 8، 16، 32…). وبهذا تكبر فجوة الغذاء، ويجوع الناس، ويهزلون، وتقل إنتاجيتهم، وتقع الحروب.
ولكن الذي حصل أن التكنولوجيات تطورت بمعدلات سريعة، جعلت النمو في الغذاء وإنتاجه يتبع المتوالية الهندسية. والمشكلة كما يقر كثيرون أنها ليست مشكلة كمية الغذاء، وإنما توزيعه وانماط استهلاكه.
وقد تبنى ملك تايلاند الراحل “بوميبول أديوليادج” نظرية الاكتفاء الغذائي لو جرى توزيع الغذاء على سكان العالم بعدالة.
ولكننا بزيادتنا للغذاء أحدثنا تغييراً في تراكيب السلع الزراعية فتغيرت قيمتها الغذائية، واستخدمنا الكيماويات في الرش ومحاربة النباتات الطفيلية، ولجأنا إلى استخدام البلاستيك للزراعة والتعبئة والتخزين والتوزيع. ونتج عن هذا مشكلات جديدة مذكرة إيانا بالآية الكريمة “يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه”. وأن الإنسان في كمد ونصب حتى يلاقي خالقه.
أما الفساد الخُلقي فهو نابع أصلاً عن هلع الإنسان ورغبته الجامحة في امتلاك ما يظن أنه يأتيه بالحياة الحلم والسعادة المادية. وعندما تقصر إمكاناته المادية عن رغباته. يلجأ إلى كسر القوانين والقواعد السلوكية المتعارف عليها لإبقاء الحياة على مدنيتها. فالقوي يستغل مكانته، والموظف يستثمر موقعه، والقوي يتجرأ على الضعيف. وترى هؤلاء يتكولسون فكراً وإجراءً وتنفيذاً لكي يبرروا لبعضهم البعض اعتداءهم على حقوق الآخرين بشكل مباشر أو غير مباشر.
فالشخص الذي يشعر أن غياب العدالة يقويه على طالبي الخدمة منه يستخدم مكتبه وموقعه وتوقيعه لكي يبتز مالاً ليس من حقه. وإذا جوبه بالرفض، لجأ إلى سلطة عشيرته أو عائلته، وإن لم يسعفه ذلك لجأ إلى منصبه إن كان قد حاز على منصب يتفاخر به.
لقد سخّرنا كل ما يتاح لنا من متاع الغرور وعَرَض الدنيا إلى وسائل للتكسّب لكي نتهرب من مواجهة الجانب القانوني الذي من المفروض أننا كلنا قد اتفقنا عليه.
ولا نكتفي بهذا، بل إننا نحاول أن نبني قضية لصالحنا قائمة على تبني منهج نعلم سلفاً أنه مقبول بعمومه. وإن لم ينفع ذلك نربك المسؤول بمعلومات فنية قد لا يحيط بها فيرتبك، ويؤخر القرار في حالة العطاء. ثم إذا لم ينفع التنظير ولا العلم نلجأ إلى الضغط عن طريق الاتهام، وإطلاق الاشاعات.
ومما يشجع البعض هو التناقض في مواقف الوزراء والمسؤولين، فهذا شخص يحبونه يسعون لفرضه صلح أم لم يصلح، ويعطونه مزايا مخالفة إما للقانون او التعليمات أو الأمر المتفق عليه. ويتدخلون في التعيينات، ويضغطون على مجالس الإدارة في الشركات التي تساهم فيها الحكومة أو الضمان الاجتماعي لكي يتحمل المجلس نيابة عن الحكومة مسؤولية القرار الخاطئ.
إن محاربة الفساد تبدأ بمراعاة الكبار للأصول والقواعد، أهمها القانون. وكل تجاوز حكومي يؤدي إلى عشرات التجاوزات على مستوى الموظفين الذين يحتكون بالناس.

الغد- الاثنين 5-8-2019



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات