محمد الدرة ومحمد الأونروا!!

ذات حساب قومي سوف تعقد مقارنة تاريخية بين مصير المحمدين ، محمد الدرة الذي تحول جسده الصغير الى غربال تدفق من ثقوبه الدم برصاص الاحتلال الصهيوني ومحمد الأونروا الذي لفظ آخر أنفاسه على باب مستشفى في بيروت لأن الاونروا رفضت تغطية نفقات علاجه..
محمد الدرة ، استشهد بشكل ساطع الوضوح ، اما توأمه الذي تعسرت ولادته معه فانتظر عشرة أعوام فقد استشهد ايضا ، لكن ليس برصاص الاحتلال او أي رصاص آخر ، بل باللامبالاة التي تعاملت بها الاونروا والنكث بقسم أبوقراط ، لأن من يؤتى به الى أي مستشفى في العالم وهو في حالة احتضار يعالج أولا ، ثم يفتح ملف الحسابات سواء تعلق بالامم المتحدة أو الأمم التي بعثرتها قنبلة اشد فتكا من القنبلة النووية وهي قنبلة الصراعات الاثنية والفئوية وخصومات ذوي القربى.
يعيشون بجنسيات مختلفة ، وهويات مستعارة لكنهم يموتون ، بل يستشهدون فلسطين فقط لأن ما انتهى اليه المحمدان التوأمان من موت فاضح لعصر برمته هو عينة قد لا تكون نموذجية بقدر ما هي عشوائية للطفولة العربية المغدورة ، وبالتالي للمستقبل الجريح الذي لم يسلم هو الآخر من أنياب الاحتلال ببعديه السياسي والعسكري،
لقد استقالت الاونروا وربما تقاعدت لا نعرف عن دورها الذي وصف ذات يوم بأنه انساني واعتذاري واخلاقي ، وحدث هذا التقاعد قبل الوصول الى حد أدنى من الحل لقضية اللاجئين ، هذه القضية المحورية والعمود الفقري للقضية الفلسطينية التي تتعرض الآن للتهميش واحياناً للمساومة ، ولا ندري ما الذي سوف يقوله محمد الاونروا لمحمد الدرة عندما يلتقيان تحت جذور زيتونة أو صفصافة أو شجرة أرز ، هل يعاتب أحدهما الآخر؟ أم يتعانقان ثم يروي كل منهما حكايته مع رصاص الاحتلال أو برود الاونروا ولا مبالاتها،
قد يكون مثل هذا الخيال اقرب الى الميتافيزيقا وعالم الغيب. لكن العالم الواقعي الذي نموته أكثر مما نحياه يتيح للارامل والثكالى فقط ان يلتقوا ، ليحصي منهم خساراته في زمن الربح المحرم ودية الدم التي يسطو عليها سراً من أنابوا أنفسهم عن الشهداء والشهود،
واذا كان مصرع الطفل محمد الدرة الذي تحول الى أيقونة وحملت عدة شوارع في العالم اسمه فضيحة الاحتلال وما يحرسه من اوراق الفيتو ، فان مصرع محمد الآخر في منفاه هو فضيحة العصر كله.. بأطبائه الذين أقسموا لابوقراط بالوفاء لمهنتهم وبساسته الذين يتعاملون مع الدم بالحواسيب وبجنرالاته الذين ترصع صدورهم أوسمة هي في حقيقتها من عظام الاطفال وجماجم الشهداء والمغدورين،
لماذا قرر العالم ان يطفىء أضواء هذا المسرح المسمى الاونروا قبل انصراف المشاهدين وقبل الوصول الى الفصل الختامي من دراما القرن العشرين وما سوف يعقبه من قرون؟
هل فرغت الأمم المتحدة من مهمتها في اعادة الحقوق الى اللاجئين واعادتهم الى بلادهم بحيث تعطي للاونروا اجازة مفتوحة ، ومدفوعة الأجر؟
ما أكثر الاسئلة وما أقل الاجابات في عصر لا يكف أهله عن الثرثرة صباح مساء عن الديمقراطية وحقوق البشر ، لكنهم لا يكفون عن انتهاك كل ما يثرثرون حوله ويعظون الناس به..
لقد قالها شاعر هو جد المحمدين معا الدرة ، والاونروا..
عار عليك اذا فعلت عظيم...،،(الدستور)