لكي يتوقف القمل عن جر الصيبان

تعد مقولة "المال يجر المال والقمل يجر الصيبان" صيغة شعبية أردنية موازية للفكرة السائدة في الأدبيات الاقتصادية التي تقول: "الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً", وهي الفكرة التي تشكل نقداً موجهاً إلى النهج التنموي الاقتصادي في الكثير من دول العالم الثالث ومن بينها بلدنا الأردن.
إن الصيغة الشعبية الأردنية أكثر عمقاً لأن فيها إشارات اقتصادية واجتماعية وثقافية ولا تقتصر على البعد المالي وحده كما هو الحال في الصيغة الأخرى.
صحيح أن القمل قد يتكاثر في رؤوس الأغنياء وأولادهم, لكنهم في هذه الحالة يعتبرونه مشكلة جلدية أو عرضاً مرضياً يصيب فروة الرأس أو غير ذلك من أوصاف محترمة, وعادة ما ينسبونه إلى أسباب خارجية مثل العدوى من آخرين أو الانتقال من الخادمات الأجنبيات (وهو تفسير لو صح لأصبح حالة نادرة من حالات المال الذي يجر قملاً).
لكن ما يهمنا هنا هو التأكيد أن مثل هذا القمل في رؤوس الأغنياء لا يجر الصيبان بالمعنى الوارد في الصيغة الأردنية, كما أن وجوده في هذه الرؤوس لا يستدعي بالضرورة أوصافاً اجتماعية مثل "التقميل", أو مفاهيم مثل "المقمل والمقملين". إن وصف "المقمل" في الاستخدام الدارج يشير إلى مرتبة اجتماعية, ومؤخراً أضاف إليها الرئيس الليبي القذافي (قيد الخلع) بعداً سياسياً عندما وصف خصومه بالمقملين في خطاب علني صار شهيراً.
ينبغي التأكيد على أن أحداً لا يدعو إلى أن توقف المال عن جر المال, أو إلى قيام هذا المال بجر الصيبان. ويقتصر المطلب التنموي على ضرورة كسر الحلقة المفرغة التي تمثلها علاقة القمل بالصيبان, وهذا لن يتم إلا بالبحث عن الأسباب الأولى لتوزيع القمل والمال قبل أن يبدأ أي منهما بالجر.(العرب اليوم)