بالعو الأمواس !!

هذا ما يراد لنا ان ننتهي اليه ، فبالغ الموس لا يستطيع ان يبلعه ، كما انه لا يستطيع ان يتقيأه ، وغالبا ما ينتهي الامر بان ينزف دمه وهو غارق في الحيرة.
دائما يتكرر المشهد ذاته ، والثنائية ذاتها فإما طاغية او مستعمر ، وكأن محاولة التحرر من السندان والمطرقة باتت مستحيلة بعد ان ادمن العربي هذه المفاضلة الاردأ من اية مراذلة بين السيء والاسوأ وبين الظالم والاظلم،
تاريخنا المعاصر ، وحلقات ايضا من تاريخنا القديم شهد مثل هذا التورط بالامواس وبلعها المستحيل ، وكانت النتيجة هي النزيف حتى اخر قطرة.
ان الاقوياء ليسوا دائما الملاذ الامن ، وربما كان المثل الشهير من مأمنه يؤتى الحذر قد قيل عنهم ، او عن مناسبة تتعلق بهم ، والمفارقة المتكررة بل الكوميديا الاشد سوادا من الفحم البشري لا الحجري هي ان اكثر الزعماء العرب غُلُوَّا في الدعوة الى التحرر كانوا اسبابا مباشرة لفقدان ما تبقى من حرية ، والمسألة هنا ليست نوايا خصوصا اذا كان طريق الارتهان لا الجحيم فقط معبدا بالنوايا القومية او على الاقل ما تدعيه هذه النوايا جهرا،
ان الاستبداد والاستعمار ليسا توأمين الا في حالات كهذه ، عندما يضطر ضحية الاسبتداد الى ان يلوذ بمستبد اكبر.
وما حفظناه عن ظهر قلب منذ الغساسنة والمناذرة والروم والفرس مرورا بما سمي الكومبرادور على اختلاف ابعاده السياسية والاقتصادية والثقافية في العصر الحديث يضاعف لدينا الاحساس بالريبة والحذر ، فمن جاؤوا مرارا للانقاذ مكثوا واستمرأوا المكوث حتى امتصوا نخاعنا ثم بدأنا نبحث عن اخرين اقوى منهم كي تعاد الكوميديا ذاتها ، وهي الاستعانة بالنموس للقضاء على الفئران.. ثم بعد ان تحقق النموس ذلك ، تأتي على ما تبقى ، وما حدث في جزيرة جامايكا في خمسينيات القرن الماضي خير امثولة في هذا السياق وان كان الامر على المستوى الرمزي،
المفارقة التي اصبحت مزمنة في حياتنا هي تلك التي تتلخص في ان القادة الاكثر ثرثرة عن الحرية وضد الغزو ، كانوا بوابات لذلك الغزو ، ولن تشفع لهم الشعارات أو حتى النوايا. فهل حكم على عالمنا العربي ان يبقى دون سن الرشد ، وبالتالي عليه ان يختار بين وصي ووليّ ، وبين قوي وأقوى ثم يدفع الثمن مرتين؟
ان ما يحتاج الى ثورة عارمة وجذرية هو ثقافة اللجوء والبحث عن ملاذات مؤقتة ، وحالة الأنيميا التي أزمنت بحيث لا نقوى على مواجهة التحديات بشكل عصامي يضمن لنا نتائج غير قابلة للاستثمار المضاد.
انها ثقافة الاركان ، والتوكل بلا اي عقل للناقة أو الدوافع الغريزية الدنيا ، ولا نعرف في التاريخ طرفا قويا أنقذ طرفا أضعف منه بلا أجر ، انه يتقاضى ربا سياسياً واقتصادياً ايضا فوق الاجر المؤجل لأن السياسة ليست بابا في فقه الاخلاق والدول ليست جمعيات خيرية ساهرة على المعذبين في الارض.
نعم ، ما يحتاج الى ثورة جذرية هو ثقافة الاركان والاستغاثة ، وادمان المفاضلة بين المستبد والمستعمر أو بين المطرقة والسندان، وما من تغيير فعلي يقبل الترجمة الى واقع مغاير بدون تحريرنا من هذه الثقافة القائمة على فلسفة الارتهان!!(الدستور)