ثورة ولادة العالم الجديد

يصف الأستاذ عبداللطيف الزبيدي المعجزة العربية في الممارسة الديمقراطية بانها اكتشاف لعلاج السرطان الذي يضرب بحناجر المجتمعات العالمية بلا استثناء ، ومن خلال رصد ما يكتب في الغرب بشكل خاص فان العالم كله بات مذهولا من ثورة المواطنة الديمقراطية الانسانية بابهى صورها ، وعندما يقول الرئيس الامريكي انها ثورة ملهمة للعالم بما في ذلك امريكا وهي عنوان لولادة جديدة لمجتمعات متوازنة تصفها الارادة الجماعية للشباب فان ذلك يعبر عن نفسه ، بارق ممارسة في مصر في الاستفتاء على الدستور وكذلك التحولات في تونس واستبسال شعب ليبيا واليمن ويوجد كل مكونات المجتمع المصطف خلف الشباب فعلا كما يقول الزبيدي اكتشف العرب علاج داء السرطان . العالم كله في ذهول أمام هذا الحدث العلمي العالمي العظيم . أما الكيان الغاصب ففي وجوم في ليل بهيم ، مرتعد يسأل: كيف حدث هذا التقدم في العلوم؟ عاد الأعلام وعادت الأعلام .
لا أحد من العرب ينتظر شهادة "صار قوزي" أو رئيس وزراء السباغيتي ، فمفكرو الغرب الآن يتتلمذون على براعم الأمة . في الأسبوع الماضي نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية مقالاً للفيلسوف "آلن باديو" وضع فيه صلف الغرب وغروره وغطرسته وشطط ادعاءاته على الوضم ، على السندان .
كان المقال آية من الفكر والشعر . دعا فيه إلى ضرورة أن يتتلمذ أدعياء الأستاذية في الغرب (الذين يتوهمون أنهم هم الذين يعلّمون العالمين أسرار الحضارة والتقدم والديمقراطية) على أيدي شبان تونس ومصر كيف يكون التغيير بلا ايديولوجيات منتفخة بالتنظير والأحزاب والتعالي .
كان شاعراً ذلك الفيلسوف وهو يصف عظمة التحول الأخلاقي الروحي ، الذي تجلى في ميدان التحرير في القاهرة . هناك كان الأقباط المسيحيون وقوفاً يحيطون بأشقائهم المسلمين وهم يؤدون الصلاة سجوداً ، لحمايتهم من غزوات أهل البلطجة . ذهبت إلى الجحيم أباطيل الفتنة .
سحرته مشاهد الشابات المصريات الطبيبات ، اللائي كن يأتين من المدن والقرى إلى ميدان التحرير لمعالجة الجرحى ، ويقضين الليالي مع شبان الثورة ، مطمئنات إلى أن أحداً لن يلمس منهن شعرة . شرف النيل طهّر النفوس ، وجرف آفات التحرش إلى غير رجعة . ثورة الشباب وهبت دماءها لكي يسلم الشرف الرفيع . وتجلى سخاء الأمة . هناك أصبح التضامن سلاحاً وطعاماً وماء وهواء . وهناك بات الخوف خرافة . هناك مات الموت وذُعر الذعر ، على رأي أبي الطيب .
حسناً ، فالسؤال الآن: لماذا فرّت خفافيش الدسائس فجأة؟ كيف تبددت ظلمات الفتن ، واهتزت رايات العرب في أيدي العرب ، ساحقة أكذوبة "أنا أولاً"؟ وإذ نحن أمام مشاهد يتعانق فيها مصطفى صادق الرافعي "حماة الحمى" والشابي "إذا الشعب يوماً" ثم "عمر المختار" . في اللقطة الأخيرة منظر صهيون يرتعد خائفاً . تلك هي اللقطة الخاتمة ، ولا عودة إلى الوراء . لقد اكتشف العرب فجأة المضاد الحيوي الحضاري للسرطان .
الثورة العلمية العربية هي أن الطب الأكاديمي ، وما يملكه من ميراث طبي في الكتب ، ليس هو السبيل الوحيد إلى العثور على الدواء الناجع . ثمة كلية طب تتحدى المناهج المألوفة في تدريس الطب . لا كتب لديها ولا مختبرات ولا تنتظر من أساتذة شهادات . تتخرج في جامعة الفطرة ، وتغيّر المورثات ، فإذا الشاب الذي كان خارجاً عن ميراث أصالة أمته ، أستاذ في الأخلاق والقيم السامية . والمثل العليا لا تعرف حدوداً فهي رائدة كل ميادين تحرير الحياة . فكيف لا يفكر هذا الجيل الرائع في تحرير قضية القضايا؟ هنا البشرى ، (الدستور)