المهزومون

عندما تمكن حزب مقاوم صغير هو حزب الله من دحر العدو الصهيوني وتحرير الجنوب اللبناني من دون قيد او شرط راح البعض يشكك بهذا الانتصار, فكيف استطاع هذا الحزب بالنسبة لهم, تحقيق ما عجزت عنه الترسانة العربية الضخمة التي لم تمتلك لا قرارها ولا ارادتها.
وعندما صمدت غزة امام هجوم العدو وماكينته العسكرية الجبارة هالهم هذا الصمود وراحوا يشككون به باعتباره مؤامرة سرية تخفي خلفها ما تخفيه.
وعندما ثار مئات الالاف من شباب تونس ثم مصر على انظمة الفساد والاستبداد فوجئوا بهذه الثورة وراحوا ينسبونها الى ما عرف بالثورات البرتقالية المشبوهة الممولة من المخابرات الامريكية على غرار ما حدث في اوكرانيا وبعض بلدان اوروبا الشرقية, وتكرر الامر مع باقي الثورات ولا يزال.
والحق ان هؤلاء الشكاكين ينطلقون من حسابات وقراءات مختلفة:
فبعضهم مسكون بنظرية المؤامرة على اطلاقها ومن دون تشخيص السياقات الموضوعية نفسها.
وبعضهم مثقل بهزيمة سياسية ووجدانية تحولت الى ظاهرة مرضية مزمنة.
وبعضهم (طابور خامس) من نمط كتاب التدخل السريع والاعلام المأجور المعروف المحترف القادر على تحويل القبة الى حبة والحبة الى قبة وخلط الامور على قدر الفواتير والعرض والطلب.
ومن الملاحظ كذلك ان الفقر السياسي والمعرفي وغياب المنهجية العلمية عوامل اضافية لهذا التشوش وثقافة الهزيمة, وكذلك وعي الثنائيات الاطلاقية الذي لا يلحظ الحركة في الواقع المعقد الذي تتقاطع فيه الحسابات والمصالح وتوسع البلبلة والعمى السياسي.
وفي كل الاحوال, فما يهمنا هنا هو الاصوات التي تتساءل وتقرأ الاحداث وتحيلها الى نظرية المؤامرة او الوعي المهزوم بنوايا حسنة, وندعوها الى الثقة بقدرة وإرادة البشر على تحرير انفسهم من كل اشكال الفساد والاستبداد, ندعوها الى تجاوز اليأس والعدمية الى ثقافة الامل والجهاد الاكبر, جهاد النفس ضد الخوف والهزيمة..
كما ندعوها الى عدم خلط الامور في تشخيص الوقائع وعدم تجريدها من المداخلات والتأثيرات المتباينة, فما من ظاهرة اجتماعية او معرفية او سياسية ظاهرة خالصة نقية من الشوائب, والعبرة في التقاط المجرى العام لها والصراع عليه وانتزاعه بالقوة والمكابدة والعمل بدلا من الوعي المهزوم وثقافة التشكيك.(العرب اليوم)