انتفاضة أيضا على التوظيف السياسي للدين

يقول الخبر ان تنظيم القاعدة قد رحب بشدة بموجة الانتفاضات التي تشهدها دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا منذ اسابيع عدة مشيدا «بتسونامي التغيير» واعترفت القاعدة في بيانها ان الغضب الشعبي انفجر احتجاجا على مسائل البطالة وفساد القادة وليس بدافع اسلامي واشار البيان الى ان الثورة تحطم حواجز الخوف في القلوب والاذهان والتي تعتقد ان الطغاة لا يمكن ازاحتهم.
واشارت القاعدة الى انها لا تعلم ماذا سينتج عن هذا الامر، لكن النتجية يجب ألا تكون بالضرورة حكومة اسلامية لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح!!
هذا هو بيان القاعدة والذي قد يكون دافعة الوحيد اعلانها عن وجودها في المعادلة الشعبية العربية وهذا بالتأكيد ليس صحيحا ولا حقيقيا، واكثر من ذلك فانه ليس بمقدور القاعدة ركوب الموجة الشعبية الشبابية المدنية العلمانية والمواطنة والديمقراطية والانفتاح على العالم، فهذه الثورة هي ثورة على التطرف والتعصب والانغلاق وهي ثورة كل اشكال المتاجرة السياسية لذلك هي في جانب منها ضد الاسلام السياسي، ومع توجهات الاسلام الاجتماعي الذي يقوم على التواصل مع الناس في اطار العمل الخيري والمساعدة والتكافل ويلاحظ المفكر السعودي الاستاذ يوسف ابا الخيل ان الشعارات الايدولوجية بما فيها الاسلامية قد غابت عن ثورة الشباب، وهي انتفاضة بالتأكيد مع كل قضايا الشعوب والامة ولكن ليس عبر شعارات بلا مضامين ولكن عبر شعارات واقعية من هنا فانه محق عندما يؤكد ان هذه الانتفاضة تجاوزت صيغ الماضي ويرى ان من أبرز ما أفرزته الانتفاضات العربية الحالية, بل أبرزها, اختفاء الشعارات الدينية والمذهبية من ميادينها. تلك الشعارات التي كان يُنظر إليها على أنها العامل الوحيد القادر على تحريك الجماهير العربية. لكنَّ السياق الجديد بدا وكأنه لا يعتبرها مجرد صوت من عدة أصوات أخرى تتنافس مع لداتها في ميدان مدني صرف, بل إنه يكاد أن يخفيها من حلبة المنافسة تماماً, لا لشيء, سوى أنه يراها لا تمتلك الحد الأدنى من مقومات المشاركة المدنية.
كنا نظن أن لتونس فرادة خاصة في هذا المجال, مجال خفوت الصوت الأصولي, نسبة ل»تمْدين» قطاعاتها الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية, وخاصة الأخير(= التعليم), الذي طُعِّم بمناهج الفلسفة و الأديان المقارنة, وبالخصوص, إبان تولي (عبدالمجيد الشرفي) مسؤولية وزارة التعليم, ذلك الألمعي الذي طبع التعليم التونسي بطابع فلسفي وحداثي قل نظيره في البلدان العربية. هذا التحديث التونسي, في مجال التعليم خاصة, ساعد في إنضاج مجتمع مدني قادر على النأي بنفسه عن الوقوع في أتون ومستنقعات الأصولية.
ما أن أوشكت الاحتجاجات من الاقتراب من الحِمى المصرية حتى كاد المراقبون أن يجمعوا أن الساحة ستكون ملكاً حصرياً للجماعات الإسلامية وأكثرها نفوذاً وصخباً, أعني بها جماعة الإخوان المسلمين. إلا أن الأحداث جرت فيما بعد بما لا تشتهي الإجماعات ولا الأماني العِذاب. لقد اتحدت كل الشعارات تحت لواء الواقع المدني البحت, ما عدا الشعار الإيديولوجي عامة, والشعار الإخواني خاصة. لقد اختفت شعارات كانت تأخذ بألباب الجماهير المستلبة بالفزاعات الأصولية, من قبيل: الاستكبار العالمي, والتغريب, وحرب الإسلام, وإخراج المرأة المسلمة من خدرها, والكيد للإسلام والمسلمين. مثلما اختفت دعوات «الجهاد المقدس» ضد «الكفار»! عموماً, وضد أمريكا والغرب خصوصاً, بعد إلقاء إسرائيل في البحر!. وجماع تلك الشعارات كلها, الشعار الإخواني الأثير:»الإسلام هو الحل». كان الميدان يضج بمفاهيم جديدة عصية على التماهي الأصولي، مفاهيم مدنية تحور مضمون الجهاد ليصبح جهاداً للنفس ينأى بها عن أن تُفتن في واقعها, فتقعد عن طلب حريتها ورغد عيشها والتمتع بحقوقها الطبيعية كما أراد لها خالقها!. هذه الشعارات المدنية الدنيوية الخالصة أصابت أقطاب ومريدي جماعة الإخوان هناك في مقتل, الأمر الذي جعلها تهب إلى حيث تجميل وجهها بتغيير ما يمكن تغييره من معالمه, فتفزع إلى حيث تغيير معالمها الخِلْقِية التي لم تزد معالمها الخُلُقية إلا خبالاً. لقد سمح الشباب المصري لجميع الشعارات التي تستظل بغمامة الحرية أن ترتفع, ما عدا الشعارات الإسلاموية للإخوان, لأنها كانت, ولا تزال, وستظل, شعارات ضد الحرية, بل ضد الإنسانية في عمومها. منْع الشباب المصري للشعارات الاسلاموية جاء تضامناً مع مضمون الشعار الأسمى الذي انتظم تلك التظاهرات, ذلك المضمون الذي أكد, ولا يزال, على أن لا حرية لأعداء الحرية, ومَنْ أكثرُ عداء للحرية من الفزاعات الأصولية. فها هو الحراك المصري لمرحلة ما بعد مبارك يكثف مشاوراته حيال إلغاء أو تعديل المادة الثانية من الدستور, والتي تمثل آخر معاقل الاصولية, والتي إن سقطت أو حوِّرت, فسيكون على الاصولية أن تيمم وجهها نحو أمرين لا ثالث لهما, إما الانغماس في المدنية الجديدة بلا زيف أو نفاق, أو الاختفاء النهائي من الساحة التي لا تضيق بشعار قدر ضيقها بالشعارات الأصولية.
ولعل السؤوال الاهم هنا هو: هل سقوط الشعارات الاصولية مؤذن بنسق فكري جديد ينشط فيه العقل العربي من عقاله نسق ينجلي فيه الليل العربي، وينكسر على مخرجاته القيد؟
ام هذا السقوط موقوت بسياق زمني ذي ظرف خاص، لا تلبث فيه تلك الشعارات ان تبعث من جديد حال زوال الظروف؟ الاجابة المناسبة تتوقف على اختيار الجيل الجديد الذي دشن حراكا مدنيا اذاب الفوارق الدينية والطائفية والاثنية، حتى استبان الفرد العربي في انسانيته، ربما لاول مرة في التاريخ.(الدستور)