مكافحة الفساد على المحك

لم تلق مسألة تحويل دراسة جدوى الديسي الى المدعي العام حضورا اعلاميا لافتا كما كان في السابق, لعل لهذا سبب هو ان الشارع كان مشغولا باحداث يوم الجمعة الاليمة, فالاصلاح لا يبدأ الا بمحاربة الفساد, لذلك لم تخلو المسيرات والاعتصامات يوما من تلك الشعارات.
في الايام الاخيرة, بدأت هيئة مكافحة الفساد بترجمة جهودها واحاديثها الى اجراءات عملية وواقعية قريبة من الشارع الذي ينتظر على احر من الجمر الكشف عن هوية من تلاعب بمقدرات البلد واوضاعها وزاد الفجوة بين الاردنيين.
طالما كان الفساد في السنوات الاخيرة احد الاسباب الرئيسية التي زادت من الاحتقان الشعبي الذي فقد المصداقية والثقة من الاجهزة الرسمية وتولدت قناعات بان السياسات التي نفذت كانت لخدمة شريحة معينة من المسؤولين الذين تساقطوا على الدولة بالبراشوتات, فسخروا كل موارد الدولة لصالحهم, والنتيجة ان الاردن للاسف بعد سنوات من التأهيل والاصلاح المزعوم كان نموا في الفساد والتزوير الانتخابي والتعصب الاعمى وترهل في الادارة وتراجع في المواطنة.
الكل يترقب جهود هيئة مكافحة الفساد, ويتطلع الى نتائج تحقق اولا واخيرا العدالة الاجتماعية التي كان فقدانها السبب الرئيسي في ثورة شعوب الجوار, لذلك فان الهيئة مناط بها عملية اعادة اللُّحَمة الى الشارع من خلال العدالة, والمطالبة ببناء الثقة لدى المواطن بمؤسسات الدولة الرسمية من خلال توفير الفرص المتكافئة لهم جميعا وازالة الغبن الحاصل بين فئات المجتمع.
يجب ان يكون لدى الهيئة خارطة طريق في محاربة الفساد ويكون ذلك بتعزيز استقلاليتها واحترام قراراتها وعدم الخضوع لاي جهة كانت وترجمة التوجيهات الملكية السامية بانه لا يوجد من هو محصن الى واقع يراه المواطن, ولذلك من المفترض ان تقوم الدولة بكافة اجهزتها بتوفير جميع الموارد والكفاءات لخدمة هيئة مكافحة الفساد وعدم التقصير تجاهها لانها في النهاية ستحمي المال العام وتعزز الاداء والانتماء معا.
ما نخشاه على هيئة مكافحة الفساد ان تنشغل بقضايا اجرائية نتيجة فتح باب الشكاوى على مصراعيه لكل من يرغب باثارة شكوى سواء كانت حقيقية ام كيدية, فهناك الكثير ممن يرغب باثارة الشكوك حول اي نشاط حتى يغتال شخصيات عملت بجد, فبمجرد الحديث عن استدعاء الهيئة لاي شخص كان فان المجتمع سرعان ما يتعامل مع المسألة بانها جريمة, لذلك من المفترض على الهيئة ان تحيل القضايا الاجرائية الصغيرة الى دوائر اخرى مثل ديوان المحاسبة او الرقابة والتفتيش مع بقاء تركيزها على القضايا التي فيها اضاعة للمال العام وسوء كبير في الادارة.(العرب اليوم)