إسرائيل وجملة العصافير والحجر الواحد

ترمي إسرائيل من وراء تجديد عدوانها الوحشي على قطاع غزة، إلى ضرب جملة عصافير بحجر واحد...فهي من جهة ترغب في تصفية الحساب مع حماس وفصائل المقاومة في «غفلة» من العالم والإقليم المنشغلان بثورات العرب الكبرى الممتدة من المحيط إلى الخليج...وهي من جهة ثانية تريد أن تختبر ردات فعل الأنظمة العربية الجديدة حيال عملياتها العدوانية ضد القطاع المحاصر، وتحديد النظام المصري الجديد، أو الآخذ في التشكل...وهي من جهة ثالثة، تريد أن تقطع الطريق على زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس المنتظرة للقطاع، بعد أن أوضح أكثر من مسؤول إسرائيلي بأن زيارة كهذه، ستفرج عن حماس وتخرج القطاع من قبضة الحصار والتجويع...وهي من جهة رابعة، محاولة لـ»بث الاعتقاد» بأن قطاع غزة يتحول في ضوء الانشغالات المصرية، إلى مستودع للسلاح والمقاتلين و»المخربين» أو الإرهابيين؟!...وهي من جهة خامسة، عملانية/ تقنية، تريد اختبار قبتها الصاروخية، التي تحتل مكانة مركزية في منظمة الأمن والدفاع الإسرائيلية.
لقد مهدت إسرائيل لعدوانها الذي من المتوقع أن يستمر ويتواصل،، بإطلاق حملة دعائية واسعة النطاق، تقوم على فرضية أن قطاع غزة قد تحوّل إلى «مستودع» ضخم للسلاح والعتاذ والذخيرة، وتم تسريب تقارير عديدة عن امتلاك حماس لصواريخ جديدة مضادة للطائرات والدروع...وأن القطاع قد تحوّل أيضاً إلى «خزان ضخم للإرهاب والإرهابيين.
ولكي تعطي إسرائيل لاتهاماتها هذه، بعضاً من المصداقية، فقد نفذ سلاحها الجوي، غارات في شرق السودان، واستدفت ما زعمت أنها شحنات سلاح إيرانية مهربة لحماس عن طريق بو رسودان، وأن ثمة تواطؤاً من قبل النظام و»تسهيلات» تمنح لمن يقوم بهذه المهمة ...وهذه هي المرة الثانية، المعلنة على الأقل، التي تقوم بها طائرات حربية إسرائيلية بقصف أهداف لها شرق السودان.
إسرائيل تريد أن تضعف حماس، وأن تحرجها لتخرجها عن طورها، توطئة لتوسيع نطاق العدوان والمواجهة، وتفادياً لاستحقاقات أيلول/سبتبمر القادمة...وإسرائيل تريد أن تحرج جنرالات مصر وأن تجبرهم على التحرك لتشديد قبضات التجويع والحصار للقطاع...وإسرائيل تريد أن تضع «أبو مازن» أمام خيارين: إما هي (المفاوضات) وإما حماس (زيارة غزة)، ولقد ارتأت أن تفعل ذلك بالنار والصواريخ بدل التصريحات اللفظية ووسائل الإعلام.
لا مصلحة للفلسطينيين بالتصعيد في هذا الوقت بالذات..وحتى عندما لجأت حماس إلى «التسخين» لأسباب داخلية (حراك 15 آذار، ومباردة أبو مازن)، فقد عادت سريعاً لطلب الهدوء والتهدئة، ودخلت أطراف عديدة على خط استعادة وقف إطلاق النار، ويقال أن وساطة تركية / قطرية، كانت فعّالة على هذا الصعيد..أما الآن، وبعد كل هذا التصعيد الإسرائيلي المجنون، فإن أحداً لن يكون بمقدوره التكهن بالكيفية التي ستتصرف بها الحركة.
مصلحة الفلسطينيين الآن تتركز في استعادة وحدتهم الوطنية، وتفعيل كفاحهم من أجل إنهاء الاحتلال، وانتزاع الحرية والاستقلال...مصلحة الفلسطينية الآن، لا تتعارض مع الحاجة لإعطاء النظم العربية الناشئة، خصوصاً في مصر، قليل من الوقت لالتقاط أنفاسه وترتيب أوراقه....مصلحة الفلسطينيين الآن، تقتضي بأن لا تنصرف الأضواء والأنوار عن فصول ومجريات ثورة العرب الكبرى.
لكن لا بد مما ليس منه، فإن لم تتوقف إسرائيل عن عدوانها البربري، فلن يكون أمام الفلسطينيين سوى خيار الدفاع عن النفس، ومقاومة هذه العدوان، ورد الصاع صاين للغطرسة الإسرائيلية...وعلى أصحاب مبادرات الوساطة والمساعي الحميدة، أن يكثّفوا جهودهم في هذه الأيام، حتى لا تنزلق المنطقة بمجملها في أتون حرب جديدة، وقبل أن «يلملم» القطاع الجريح، شتات نفسه.
ما يجري على جبهة قطاع غزة، هو التعبير عن «اضطراب» القراءة الإسرائيلية لمجريات الوضع في الدول العربية، فكل ما قامت عليه «نظرية الأمن الإسرائيلية»، ينهار أو هي في طريقه على ذلك، كل من «عوّلت» إسرائيل عليهم، يجدون عنتاً ومشقة في الحصول الدفاع عن «كراسيهم في وجه شعوب غاضبة، وعلى أهل عزة وأهلنا عمومنا، التصرف من على هذه القاعدة الذهبية.(الدستور)