الهابطون والصاعدون

في اللحظات التاريخية الفاصلة ثمة قوى تميل الى الهبوط ومغادرة المسرح والخروج من التاريخ, وثمة قوى صاعدة ترتقي المسرح والتاريخ درجة درجة وعتبة عتبة, وفيما تنحكم القوى الهابطة الى السيناريو المجرب (خطوة الى الامام وخطوتين الى الوراء) الى ان تلفظ انفاسها تنحكم القوى الصاعدة الى سيناريو آخر معاكس تماما (خطوة الى الوراء خطوتين الى الامام) وهكذا الى ان تستقر في المشهد.
وتختلف المدارس الفكرية في تشخيص هذه اللحظات الفاصلة, فالرأسمالية وخاصة توفلر اخترعت نظرية الأجيال, والماركسية تتحدث عن تناقض علاقات الانتاج مع قوى الانتاج, والقوى الدينية تتحدث عن دورة الايمان والكفر, وهناك من استخدم دورات التاريخ بقراءات شتى من أفلاطون الى فيكو وشنبغلر وتوينبي وابن خلدون .. الخ.
وفيما يخص الحالة العربية, فالقاسم المشترك بين كل القوى الهابطة هو عدم الشرعية التاريخية للدولة المعاصرة وهي دولة السوق القومي القائمة على قوانين حراك ونشأة وتطور داخلية بنسوية وليس على الدولة كاستحقاق إقليمي وناظم خارجي إداري - بوليسي فاسد لمجاميع عشائرية وطائفية ما قبل رأسمالية.
ولذلك فإن الحالة العربية برمتها - برسم الهبوط, »دار دار وزنقه زنقه« ومهما حاولت تأجيل ذلك فإن الموت يصيبها ولو كانت في بروج مشيدة وأين منها, على سبيل المثال, الامبراطوريات العالمية التي انهارت برمشة عين وآخرها الاتحاد السوفياتي بكل جيوشه وأجهزته الجبارة.
ولذلك ثانيا, فإن مظاهر البطش و(عراضات) القوة في الشوارع ليست علائم قوة بل علائم هبوط وانهيار قادم لا محالة.. ومن مفارقات هذه اللحظات انه بقدر ما تمتلك القوى الحاكمة من أجهزة واسعة فإن المظهر الاساسي لها هو استخدام الزعران والبلطجية.. وهو امر لا يتصل بالأساليب والأدوات وحسب, بل بالأخلاق, وبالأحرى بعدم الأخلاق بل ان احد منظري دولة الاستبداد الرأسمالية, توماس هوبز, يقدم صورة وحشية عن هذه الدولة (اللوياثان) اما الفيلسوف الألماني, كانط, متأثرا بأفلاطون فيلحظ ان انحطاط الدول يترافق مع غياب الأخلاق...
وبإسقاط هذا المشهد التراجيدي العالمي على مشهد الاستبداد العربي, الكوميدي, فإن الانحطاط الأخلاقي يأخذ في الازمات العربية للدولة البوليسية الفاسدة ما شهدناه ونشهده في الشوارع العربية من بلطجية وزعران يعرف القاصي والداني من يمثلون ومن يحركهم.(العرب اليوم )