كتاب الملك فرصتنا الأخيرة

ليس عادياً أن يكتب ملك مذكراته وينشـرها محلياً وعالمياً بثماني لغات ، وليس عادياً أن يكتب أي مسؤول مذكراته وما زال في الفصل الأول من حياته السياسية ، ولكن الملك عبد الله الثاني ابن الحسين فعـل ذلك ، فلا بد أن يكون هناك حافز قـوي دفعه ليتجشم عناء الكتابـة التفصيلية في هذا الوقت المبكر من حياته عندما يكون دوره التاريخي ما زال أمامه وليس وراءه.
يبـدو من عنوان الكتاب ومضمونه أن الملك ما زال يؤمن بإمكانية تحقيق السلام ، ولكنه يخشى أن هـذه هي الفرصة الأخيرة ، وبانتظار صدور الكتاب يبـدو أن الفرصة فاتت أو كادت ، وأن سلوك إسرائيل قد أضاع جميع الفرص السابقة التي كانت توصف في حينها بأنها الفرصة الأخيرة.
لا يدور الكتاب حول الدعوة إلى السلام في الشرق الأوسط فقط ، فهناك هاجس آخر في ذهن الملك هو الإصلاحات السياسـية والاقتصادية ، وطالما أن العمل على الكتاب بدأ قبل سـنتين ، فقد دلل على أن سعي الملك إلى الإصلاح ، الذي أصبح موضوع الساعة ، ليس وليد اللحظة الراهنة والضغوط التي رافقتها ، بل وليد قناعة راسخة يؤكـدها أن الملك ولد في الأردن وتلقـى تعليمه في الغرب ، وخدم في الجيش الأردني ، وبذلك استوعب الثقافتين الشرقية والغربية ، وآمن بالتحديث واللحاق بركب البشرية المتقدمة.
في كتابه الجديد واصل الملك سـعيه الحثيث للدفاع عن صورة الإسـلام وتبرئته من شبهة الإرهاب انطلاقاً من رسالة عمان ، وهي جهـود ضرورية ، ولكنها تواجه صورة نمطية سـوداء ، يغذيها سلوك الإرهابيين الذين يرتكبون جرائمهم باسـم الإسلام.
كشف الكتاب عن المخطط الإسرائيلي للقضاء على الوجود المسيحي في القدس ، حيث لم يبق في المدينة المقدسـة من المسيحيين العرب سوى ثمانية آلاف ، مع أن عددهـم في عام 1945 بلغ 30 ألفاً ، ولـولا التهجير لكان عددهـم قد وصل اليوم إلى أكثر من ربع مليون.
تبقـى ملاحظة عامة وهي أن مذكرات الملك كتبت أسـاساً بالانجليزية لمخاطبة الرأي العام العالمي ، ويأتي نشرها بالعربية بشكل متزامن ليوضح أن طروحات الملك شـفافة ، لها وجه واحـد في الداخل والخارج.
وبعـد فما زلنـا في عنـوان الكتاب ومقدمتـه ، ولنا عـودة.(الرأي)