رؤية الماء في الكأس الفارغ

في حديث لأحد وزراء حكومة معروف البخيت، كال الوزير الاتهام للإعلام ناعتا إياه بالسلبية وإشاعة أجواء غير إيجابية حيال الوضع الاقتصادي، الأمر الذي يؤثر من وجهة نظره على الوضع ويقلل من شأن المنجزات المتحققة.
الوزير، الذي دافع بشراسة عن الأداء الحكومي متهما الإعلام بالتقصير في عكس نجاحات الحكومة، ارتكز على أن النمو الاقتصادي المتحقق والمقدر بحوالي 3 % مقبول إلى حد ما وأن قيمة الودائع ارتفعت خلال الفترة الماضية، مضيفا أن احتياطي المملكة من العملات الصعبة حقق مستويات عالية.
دفاع الوزير لم يأخذ في الحسبان أن الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو المؤشر الأهم على الإطلاق في الشأن الاقتصادي، تراجع بمعدل 46 % خلال الربع الأول، ولم يتذكر أن حوالات العاملين تراجعت ما قبل 24 آذار (مارس)، ولا ندري كم ستنخفض بعد هذا التاريخ!.
الاتهام بعدم الإيجابية عادة ما يأتي من منطلق التشكيك بالموضوعية التي لا ترى إلا النصف الفارغ من الكأس، ولا يدرك المسؤول أبدا أن النصف الممتلئ بدا يتبخر نتيجة البطء الرسمي في اتخاذ خطوات تنفيذية.
استسهال توجيه النقد لعمل الإعلام بالتأكيد لا يتم وسط قراءة حقيقية لمدى تعقد الوضع الاقتصادي والحالة الحرجة التي بلغها، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عجز محافظ البنك المركزي عن تخفيض أسعار الفائدة كسبيل لتحفيز الاقتصاد، لسبب واحد بسيط هو أن السياسة النقدية المطبقة حاليا هي من يحافظ على تماسك الاقتصاد كونها توفر رصيدا مرتفعا من الودائع والعملات الصعبة.
الدفاع عن المنجزات لم يتحدث أبدا عن غياب الرؤية التي تنظم العمل الحكومي في إدارة الملف الاقتصادي، وأغفل أن شهورا ثلاثة مرت من عمر الحكومة تظهر أن المؤشرات الأساسية القادرة على التخفيف من المأزق الاقتصادي في تراجع، لاسيما مؤشر الاستثمار الأجنبي الذي يعني تراجع القدرة على خلق فرص العمل، وبالتالي زيادة معدلات البطالة.
وارتفاع أعداد العاطلين عن العمل مؤشر له خصوصية كبيرة، كونه يمس شريحة الشباب في بلد غالبية سكانه من الشباب، الذي ما يزال ينتظر منذ سنوات انفراجة حقيقية في الوضع الاقتصادي تساعد في زيادة إنتاجيته، وتنهي مأساة تعطله الذي دمر تركيبته النفسية كونه غير مشارك ومعطلا.
وانخفاض مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر يزداد خطورة إذا ما أخذنا تأثيره على عجز ميزان المدفوعات، ويضاعف ذلك تدني حوالات العاملين في الخارج.
ما يكتب في الإعلام من انتقاد للسياسات وتحليل للأرقام والمؤشرات ما هو إلا عكس لنبض الشارع ورغبات الناس الذين ملوا التصريحات الرسمية في الاجتماعات من دون أن يلمسوا أثرا ولو بسيطا في حياتهم.
وما السلبية التي يتحدث عنها الوزير إلا موضوعية، كان الأولى به أن يهتم بها لا أن يتهمها، حتى يتسنى له رسم صورة واضحة عن أحوال الناس الواقعية، اذ لم تكن الانتقادات الموجهة إلا من أجل بث رسائل للمسؤولين يدركون معها حجم الاستياء الشعبي مما يفعلون.
دور الإعلام يتجاوز التزمير والتزوير والتصفيق والغزل بالسياسات الرسمية والتصريحات الرنانة التي يطلقها المسؤولون، مسؤولية الإعلام الوطني نقل أوجاع الناس ومشاكلهم وشعورهم حيال حكومتهم التي يفترض أن يكون دورها الحقيقي خدمة أجندات المجتمع والتخفيف من آلامه وحل مشاكله.(الغد)