إقلاع اضطراري

لم يرد هذا المصطلح في معجم الطيران والمتداول هو عكسه تماما اي الهبوط الاضطراري واحيانا يبدو حتى الفضاء محايدا، لانه يصلح لاي شيء والمحطات الفضائية عينات نموذجية لهذا، فهي تقدم المشهد ونقيضه، واحيانا الحقيقة كما هي ثم كما يريدها السينارست الضليع في فقه الاعلام المؤدلج، وما يصح على الفضاء يصح على الابواب، فهي للدخول والخروج معا.
والباب الذي يدخل منه السجين يخرج منه عندما تنتهي مدة الحكم الا في حالة واحدة هي الاعدام.. وكذلك السلالم، فهي للصعود والهبوط معا، وان كان الفلاحون العرب الذين كان قدرهم ان يعيشوا على الثغور وعلى تخوم الاعداء قد حولوها الى نقالات لشهدائهم!
وما حدث في تونس هو اقلاع اضطراري، عندما تلفت الرئيس حوله فلم يجد احدا غير ظله اما الرئيس المصري فهو رغم كونه طيارا محترفا لم يصعد اضطراريا كما انه لم يهبط ايضا وبقي عالقا في مكان ما.. مما دفع خصومه الى الشك بانه لا يزال فاعلا.. ومنهم محمد حسنين هيكل!
اما ما يحدث الان يمكن مقارنته بظواهر وشواهد ليست من عالم السياسة، فهو قد يكون خُلعا سياسيا، وهي الصيغة الحديثة للطلاق بعد ان عاشت المرأة العربية غير الراغبة في الزوج زمنا وهي عالقة.. بحيث قدمت السينما عنها عدة افلام لعل اشهرها فلم اريد حلا للسيدة فاتن حمامة..
واذا كان للارض جاذبيتها التي لا تقاوم فان للواقع السياسي جاذبيته ايضا ومجاله المغناطيسي الذي لا تقوى برادة الحديد على مقاومته او الفرار منه..
لهذا فان قراءة معمقة للتاريخ خارج نطاق التسلية والاستهلاك السردي قد تكشف عن بعده الفيزيائي، والجيولوجي ايضا، فثمة في باطن المجتمعات صفائح من طراز اخر، تماما كما ان هناك براكين وزلازل اجتماعية تندلع عندما تجد القشرة الهشة لا تقوى على صدها.. وكما ان هناك تكوينات جيولوجية كاذبة حسب تعبير ازوالو اشبنجلر، وفجراً كاذباً وسراباً كاذباً ايضا، فان في الحراك البشري تاريخياً ما يوازي هذا الكذب احياناً، خصوصا عندما يكون طلب التغيير استبدال حاكم بآخر، لكن وفق الثقافة السياسية ذاتها، وهذا ما يفسر عودة شهاب الدين الأردأ من أخيه دائماً، فالعرب طالما بكوا على الاطلال وترحموا على من رجموه أو خلعوه لأن ما أعقبه كان الاسوأ.
ان عالمنا العربي الآن في حالة من اضطراب التوازن، فلا ندري ما اذا كان ما نراه أحيانا هبوطاً اطضرارياً أم اقلاعاً اضطرارياً.. وميادين التحرير والتغيير هي ذاتها كأمكنة، لكن الشعارات فيها قد تتبدل أو حتى تتناقض من شهر الى شهر ومن تغيير موضعي مؤقت الى تغيير موضعي مؤقت أيضاً!
ان القراءات المنفعلة والاسقاطية والرغائبية لما يجري يسقط من بين سطورها الكثير، وما يختفي خلف الشاشات أضعاف ما نراه والبقية تأتي!! (الدستور)