هكذا ينتهون!!

سواء كانوا شاهات او بينوشيهات او حتى اباطرة في خريفهم العاري فانهم ينتهون على نحو تتداخل فيه الكوميديا مع التراجيديا، وتفتضح عيونهم الدامعة الحمراء الخيبة العظمى التي تعصف بذاكرتهم وقلوبهم، وبالامس كان مشهد "غباغبو" الذي تشبث بالصولجان حتى النهاية مثيرا لتداعيات لا آخر لها، سواء وهو يمسح عرق جبينه بملابسه الداخلية وهو نصف عار بالقرب من سريره او من خلال نظراته الزائغة، بحيث لم يكن مصدقا ما جرى له.. وان عليه ان يستر جسده كله لانه تحول الى عورة سياسية امام الملأ.
ان من يتشبثون بالسلطة حتى لو كان الثمن حربا اهلية وهلاك البلاد والعباد هم كما يحللهم النفسانيون مرضى من طراز عجيب، فرغم التخمة والكروش التي تجعلهم اشبه بالقطط السمينة او الافاعي التي بلعت فأرا او ارنبا للتو يعانون من انيميا الخيال، ونقص الخيال هو السبب الاول في عدم قدرتهم على ان يشموا رائحة النهاية قبل بلوغها. فبقدر ما يصيبهم من البارانويا يصيبهم ايضا ذلك الزكام السلطوي الذي يحول دون ان يشموا رائحة المصير المحتم.
وما يقوله النفسانيون ايضا عن الديكتاتور هو انه يعاني من ضعف شديد في وعي الزمن، لانه لا يتصور نفسه من البشر الفانين وان الموت من نصيب الاخرين وليس من عالمه الخالد.
وقد يكون الوصف الذي قدمه ماركيز لواحد من هؤلاء في خريفه المشهد المتكرر في كل دراما مماثلة.. فالايدي التي كانت تدمى من التصفيق في ربيع الطاغية قد يدميها صفعه او صفع صوره في الميادين والشوارع، ومن كانوا ينحنون امام تماثيله ينحنون بعد افول نجمه كي يدوسوه او يتأكدوا من انه فارق الحياة.. انها القسوة المتبادلة.. من جلاد بلا حدود وروادع وضحايا لا تعفو عما سلف. لانها كظمت الغيظ طويلا وتعتق في عروقها هاجس الثأر والانتقام.
ومن يقولون ان العالم يصبح افضل بعد رحيل هذا الديكتاتور او ذلك الطاغية كان يجدر بهم ان يقولوا ما هو اشمل وابعد.. وهو ان العالم سيصبح افضل واكثر صلاحية للاقامة فيه لو ان تلك القسوة لم تكن من جذورها بحيث لا يوغل الطغيان حتى النخاع ولا تعرف الضحية لحظة انتصارها ان العفو عند المقدرة حكمة تليق بحكايتها المأساوية!
ألم يكن من الاجدى والاكرم والاشرف لهذا الذي تشبث بالسلطة حتى العري ان يغادر مقعده بكامل ثيابه وصولجانه وكرامته ليكون مواطنا في بلاده، او رئيسا سابقا يتفرغ للشجون الانسانية او كتابة مذكراته؟..
من المؤكد ان الاعتبار بهذه الخواتم ليس طقسا سلطويا معمولا به في كوكبنا.
ما دام نقص الخيال ووهم الخلود يحولان دون ادراك الحقيقة ويصيبان مرضى البارانويا بالعمى المزدوج في البصر والبصيرة معا!
والرئيس الذي جعل استمراره في السلطة في كفة وحياة الناس كلهم في بلاده في الكفة الاخرى لم يتمكن حتى من ستر عورته امام الكاميرات، عندما امره جنوده القدامى بالامتثال لمصيره.
ان من هؤلاء من حمل قبره على ظهره كالسلحفاة وطاف به العالم كي يجد من يقبله حتى ميتا، ومنهم من حول نفسه الى امثولة مضادة للعدالة والقيم الانسانية فتحول الى عبء حتى على احفاد احفاده الذين لا ذنب لهم في ما اقترف قبل ان يولدوا!
ان الديكتاتور المثقل بهذه الحمولة من الامراض النفسية يلحق الضرر حتى بسلالته، لان انانيته ونرجسيته المجنونة توهمه بانه محور الكون وان الشمس تشرق لاجله فقط وسوف تغيب الى الابد اذا رحل!!(الدستور)