عزلة مباغتة
تم نشره الأربعاء 13 نيسان / أبريل 2011 01:54 صباحاً

بسمة النسور
كان الرجل قد أوشك على الوصول إلى بيته، حين اكتشف أنه نسي موبايله في المكتب، تذكر أنه وضعه على الشاحن قبل ساعة من انتهاء الدوام، أصيب بالهلع، كما لو أن إحدى رئتيه انتزعت من جسده على نحو مفاجئ، تذكر موعده المسائي مع الأصدقاء، وقد اتفقوا على الاتصال لاحقا، لتحديد مكان اللقاء، قدر أنهم لن يتمكنوا من الوصول إليه، ذلك أنهم لم يعتادوا الاتصال به في المنزل. فكر أن يعود أدراجه كي يحضر الموبايل المتروك، غير أنه كان منهكا وجائعا جدا، وأقصى ما حلم به لحظتها هو الارتماء على الصوفة مقابل التلفزيون، بعد تناول وجبة الغداء ومتابعة مستجدات الثورات العربية المجاورة، لاعنا الطغاة، متمنيا لهم الفناء السريع.
لذلك قرر تحت وطأة الكسل والتعب أن يستغني عن الموبايل لبقية اليوم، مطمئنا أنه لن يتعرض للسرقة، معتمدا على وجود هاتف أرضي في البيت، فيما إذا اضطر للاتصال بأحد من الأصدقاء أو الأقارب. حاول إقناع نفسه بتلك الأفكار المنطقية، وهو يضغط زر المصعد، الذي تأخر في النزول، ما أثار عصبيته، قبل أن يطل حارس العمارة، ليبلغه أن المصعد معطل مرة أخرى، وإن شركة الصيانة، لا تستجيب لاتصالاته المتكررة، كان متأكدا أن الحارس الخبيث يكذب، وإنه لم يجرِ أي اتصال مع أحد، بل إنه لا يخفي بهجته، حين تقع مثل تلك المشاكل، التي تجعل السكان يدركون مدى أهميته فيعاملونه باحترام أكثر. وصل صاحبنا منزوع الموبايل، مسكونا بالعزلة المباغتة إلى بيته، لاهثا بالكاد يلتقط أنفاسه المتلاحقة، شتم شركات التبغ ومقاهي النرجيلة، ووعد نفسه بالكف عن رذيلة التدخين في أقرب فرصة. ارتمى على الصوفة متوقعا سماع قرقعة الصحون آتية من المطبخ كالعادة، غير أن زوجته التي اعتادت الوصول قبله، أطلت شاحبة متورمة الأنف، تسعل بصورة متواصلة، قالت إنها لم تتمكن من إعداد أي شيء للغداء، لأنها متوعكة جدا، حتى أنها تغيبت عن عملها من دون أن تتمكن من الاتصال بمسؤوليها، لأن رصيدها (خالص)، كما بشرته باكتشافها أن هاتف البيت مفصول جراء التأخر في دفع الفاتورة، أشارت عليه أن يطلب غداء للعائلة من أحد مطاعم الوجبات السريعة، التي يتعاملون معها أحيانا في أوقات طارئة كهذه. تذكر موبايله المنسي، وداهمه الرعب من جديد، أحس أن انفصاله عن العالم أصبح رسميا في تلك اللحظة. أمضى بقية النهار في مواجهة التلفزيون، متنقلا بين المحطات الفضائية، شاهد أفلاما ونشرات أخبار مكررة، محاولا عدم التفكير بالمعاناة التي سببها للأصدقاء، وقد ظل يتوقع بين الحين والآخر أن يطرقوا عليه بابه، معبرين عن قلقهم لعدم استجابته لاتصالاتهم المتكررة، غير أن ذلك لم يحدث وسرعان ما غلبه النعاس، وغط في نوم لم يخلُ من كوابيس.
هرع في اليوم التالي إلى مقر عمله، متلهفا لاستدراك ما فاته من اتصالات ورسائل نصية، ولكي يشرح لأصدقائه الكثر سبب صمته القسري، حين تأمل في الشاشة الصغيرة، اكتشف أنه لم يتلق أي اتصال أو حتى رسالة اطمئنان، ومنذ ذلك اليوم صار يتعمد نسيان الموبايل في درج مكتبه من دون أدنى تأنيب ضمير!(الغد)
لذلك قرر تحت وطأة الكسل والتعب أن يستغني عن الموبايل لبقية اليوم، مطمئنا أنه لن يتعرض للسرقة، معتمدا على وجود هاتف أرضي في البيت، فيما إذا اضطر للاتصال بأحد من الأصدقاء أو الأقارب. حاول إقناع نفسه بتلك الأفكار المنطقية، وهو يضغط زر المصعد، الذي تأخر في النزول، ما أثار عصبيته، قبل أن يطل حارس العمارة، ليبلغه أن المصعد معطل مرة أخرى، وإن شركة الصيانة، لا تستجيب لاتصالاته المتكررة، كان متأكدا أن الحارس الخبيث يكذب، وإنه لم يجرِ أي اتصال مع أحد، بل إنه لا يخفي بهجته، حين تقع مثل تلك المشاكل، التي تجعل السكان يدركون مدى أهميته فيعاملونه باحترام أكثر. وصل صاحبنا منزوع الموبايل، مسكونا بالعزلة المباغتة إلى بيته، لاهثا بالكاد يلتقط أنفاسه المتلاحقة، شتم شركات التبغ ومقاهي النرجيلة، ووعد نفسه بالكف عن رذيلة التدخين في أقرب فرصة. ارتمى على الصوفة متوقعا سماع قرقعة الصحون آتية من المطبخ كالعادة، غير أن زوجته التي اعتادت الوصول قبله، أطلت شاحبة متورمة الأنف، تسعل بصورة متواصلة، قالت إنها لم تتمكن من إعداد أي شيء للغداء، لأنها متوعكة جدا، حتى أنها تغيبت عن عملها من دون أن تتمكن من الاتصال بمسؤوليها، لأن رصيدها (خالص)، كما بشرته باكتشافها أن هاتف البيت مفصول جراء التأخر في دفع الفاتورة، أشارت عليه أن يطلب غداء للعائلة من أحد مطاعم الوجبات السريعة، التي يتعاملون معها أحيانا في أوقات طارئة كهذه. تذكر موبايله المنسي، وداهمه الرعب من جديد، أحس أن انفصاله عن العالم أصبح رسميا في تلك اللحظة. أمضى بقية النهار في مواجهة التلفزيون، متنقلا بين المحطات الفضائية، شاهد أفلاما ونشرات أخبار مكررة، محاولا عدم التفكير بالمعاناة التي سببها للأصدقاء، وقد ظل يتوقع بين الحين والآخر أن يطرقوا عليه بابه، معبرين عن قلقهم لعدم استجابته لاتصالاتهم المتكررة، غير أن ذلك لم يحدث وسرعان ما غلبه النعاس، وغط في نوم لم يخلُ من كوابيس.
هرع في اليوم التالي إلى مقر عمله، متلهفا لاستدراك ما فاته من اتصالات ورسائل نصية، ولكي يشرح لأصدقائه الكثر سبب صمته القسري، حين تأمل في الشاشة الصغيرة، اكتشف أنه لم يتلق أي اتصال أو حتى رسالة اطمئنان، ومنذ ذلك اليوم صار يتعمد نسيان الموبايل في درج مكتبه من دون أدنى تأنيب ضمير!(الغد)