مناطق خضراء وأخرى عمياء!!
دشنت المنطقة الخضراء في بغداد بكل دلالاتها السياسية والبيئية تضاريس عربية جديدة، وليس معنى ذلك ان الاخضر اصبح مرادفا للمحتل الاجنبي او المنبوذ المحلي، فالاحتلال ليس طبعة واحدة، او وصفة محددة تصلح لكل مكان وزمان، ولو شئنا اعادة تعريف الاحتلال كي يشمل ما هو غير مرئي بالعين المجردة لوجدنا ان عالمنا العربي تدرج في العقد الماضي من المحتل مباشرة الى شبه المحتل واخيرا الى الدرج على قائمة الاحتلال.
وبين الساحات الخضراء والمناطق الخضراء او حتى الصفراء في عواصم العرب منطقة عمياء هي التي تنعدم فيها الرؤية بسبب كثافة الدخان او الغبار وليس الغيوم، هذه المنطقة الداخل اليها مفقود والخارج منها مولود.. لكنه سوف يقتل ايضا في المهد.. في زمن قصرت فيه المسافة بين المهد واللحد بقدر ما اتسعت بين الرغبة والحلم والقدرة على ترجمتها الى واقع!
لن يخسر العرب كثيرا وقد يربحون اذا اقلعوا عن عدة عادات علنية في مقدمتها تقسيم الدماغ الى منطقة بيضاء متفائلة واخرى سوداء كابوسية ومتشائمة وقد لا نحتاج الى الاستشهاد بما يقوله العلماء المشتغلون في علم المستقبليات كبديل عن قراءة الطوالع وفناجين الساسة، لان امهاتنا قلن لنا ونحن نلثغ بالابجدية ان ما في القدر سوف تخرجه المغرفة، وان الاناء ينضح بما فيه لهذا لم يحدث ان فاجأنا أمهاتنا بإناء مليء بالماء وينضح عسلاً أو عصيراً، وبهذا المعنى ليس المستقبل في تعريفه العلمي الدقيق الا حاصل جمع الممكنات سواء كانت هاجعة في الحاضر أو ما تبقى منها من الماضي القريب.. والغريب ان المناطق الخضراء تكثر في زمن التصحر، سواء كان سياسياً أو ثقافياً أو بالمعنى الزراعي الدقيق، وهذا ما يفسره علماء النفس قائلين ان الانسان يثرثر غالباً عما ينقصه، فالاقل تمتعا بالشرف يفرطون كما قال برنارد شو في الحديث عن الشرف، ويتسمون به بمناسبة وبدون مناسبة، لهذا فان من يشعر بأنه بحاجة الى المبالغة درءاً لتهمة ما هو المريب الذي لا تخطئه العين الذكية.
الألوان في هذه التضاريس المبتكرة تشبه قضية فلسطين الى حد ما، تلك القضية التي تذرع بها من أراد اسكات الناس لأنه منهمك في الاعداد لحرب تحريرها.. ثم اتضح ان ما أعده هو وأمثاله ليس سوى الخيام وما من قوة أو رباط خيل أو بغال!
ولا أدري لما تهبط القداسة فجأة على موقف ما بحيث يصبح محظوراً علينا ان نناقشه، ومن يفعلون ذلك يقدمون لمن يعارضونهم ويرون فيهم مطلق الفساد مبرراً بأثر رجعي.. ما دام من حق أي طرف أن يحتكر الحقيقة والشعار والحل!
المنطقة العمياء في عالمنا العربي أضعاف مساحة المناطق الخضراء، سواء كانت في طرابلس الغرب أو طرابلس الشرق والشمال والجنوب أو في بغداد حيث ظمئت حتى الأنهار ولم تعد عبارة أرض السواد تعني شدة الاخضرار الذي يقارب في كثافته اللون الأسود.
كم من التأهيل نحتاج كي نسمع غير صدى أصواتنا ونرى آخرين غير ظلالنا؟
ما نخاف منه حد الهلع هو أن تتكرر المسلسلات ذاتها رغم تغير الممثلين وخشبة المسرح.. اذا بقي السينارست هو ذاته الذي افرزه تاريخ ممهور بالعسف والوشاية!!(الدستور)