من يوقف نهر الدم في سوريا؟!

تم نشره الأربعاء 27 نيسان / أبريل 2011 02:08 صباحاً
من يوقف نهر الدم في سوريا؟!
ياسر الزعاترة

 

 

قتلى في الشوارع بلا حساب في درعا وحمص وجبلة ومدن سورية أخرى، والدبابات تجتاح المدن الثائرة وتمعن فيها قتلا وقصفا، وهو ما يعتقد النظام أنه سيلقي الرعب في قلوب الناس ويدفعهم إلى التوقف عن التظاهر والمطالبة بالحرية.

في البداية يخطيء بشار الأسد إذ يعتقد أن بوسعه تكرار ما فعله والده مطلع الثمانينات حين اجتاح مدينة حماة وقتل فيها عشرات الآلاف، لأن الزمن الحالي يختلف كثيرا من حيث القيم الإنسانية أولا، ومن حيث الوضع الدولي ثانيا، ومن حيث الفضاء الإعلامي المفتوح ثالثا، وهذا الأخير هو الذي يجيّش الرأي العام العالمي ضد القتلة في أي مكان في العالم، ويدفع الجميع (قناعة أو خجلا) نحو تعامل من نمط آخر معهم، في ذات الوقت الذي يدفع الناس نحو مزيد من الانفجار والثورة.

لن يتمكن القتلة من تنفيذ مهمتهم دون حساب، فالكاميرات ستكون لهم بالمرصاد، وستضع الحقيقة بين أيدي الناس في الداخل والخارج، والنتيجة أن الأيدي الملطخة بالدماء ستدفع الثمن غاليا من دون شك.

الجانب الآخر في المشهد والذي لا يقل أهمية هو الفارق بين الزمنين، من حيث أن الأسد الأب كان يواجه تمردا مسلحا يتلقى دعما ولو محدودا من الخارج، ولم يكن سرا أن بعض الدول العربية كانت تدعم ذلك التمرد، بينما تتسامح دول غربية معه من حيث جمع التبرعات، أما اليوم فلا سلاح ولا رصاص، بل أياد بيضاء ووجوه بريئة وأفواه طاهرة تهتف للحرية لا أكثر.

يشار هنا إلى أن محاولة النظام نقل الحراك الشعبي إلى مربع التمرد المسلح لم تفلح حتى الآن، ولن تفلح بإذن الله، حتى لو واصل التلفزيون السوري بث صور جنازات الضباط والجنود للمشاهدين على نحو تراجيدي والأرز ينثر عليها، إذ يعلم الجميع أن من قتل من هؤلاء لم يُقتل بأيدي الناس المنتفضين، وإنما بأيد مدسوسة نتجت عن اختراق مجموعات معينة سبق أن تعامل النظام معها إبان حرب العراق، هذا في حال كانت الجنازات حقيقية من الأصل.

لقد قلنا غير مرة إن هناك محاولات محمومة من قبل النظام لعسكرة انتفاضة الشعب السوري لتسهيل قمعها وتكرار النموذج الليبي على نحو ما، وتحدثنا عن الآليات التي سيستخدمها في السياق، وقد تحقق ما قلناه، وها هو يدخل بدباباته إلى درعا في ظل «بروباغندا» تتحدث عن مواجهة تمرد مسلح وليس انتفاضة شعبية.

في ضوء المعادلة الآنفة الذكر لن يكون بوسع النظام أن يقتل الناس من دون حساب، كما أن الشعب السوري الذي كسر حاجز الخوف لن يتوقف عن سعيه للحرية، وهنا تحديدا ينهض فارق مهم آخر عما جرى مطلع الثمانينات يتعلق بالإجماع الذي تحظى به الانتفاضة الحالية في صفوف الشعب السوري، وإذا حاول النظام تسويق مقولة أن أكبر مدينتين (دمشق وحلب) لم تلتحقا بالثورة، فإن هذه المعادلة لن تلبث أن تتلاشى وتلتحق المدينتان بباقي المدن، مع العلم أن الكثير من المناطق في دمشق قد التحقت بالفعل.

السبب بالطبع لا صلة له بقناعات الناس، وإنما بالخوف الطبيعي لدى عائلات الشبان الذين سيخرجون ويقودون الشارع. الخوف من نظام أمني موغل في القمع، لكن ما إن يبدأ الحراك حتى يغدو كالطوفان الذي لا يوقفه أحد، وهذا ما وقع في سائر المدن الأخرى كما تابع الجميع. أما الجيش السوري، فإن موقفه اليوم بالغ الحساسية، ذلك أن تورطه في لعبة قمع الناس سيكون جريمة بحق سوريا وأهلها، وعلى كل فرد فيه أن يرفض إطلاق النار على أهله مهما كان الثمن، فأن يموت شهيدا خير له من يطلق النار على أبناء شعبه.

يبقى القول إن تردد بعض الفعاليات الشعبية والكتاب والمثقفين العرب في إدانة القتل الهمجي في سوريا لا يمكن أن يكون مقبولا بحال، وإذا تفهمنا ذلك في حق بعض قوى المقاومة خارج سياق الدفاع والتبرير، فإن الأمر يبدو مختلفا في حق الآخرين، لأن الأصل هو الانحياز لحرية الشعوب أيا تكن طبيعة النظام، بل إن المقاومة والممانعة تستدعي منح الحرية للناس وليس قمعهم، ومن يقود جيشا من الأحرار الذين يحبونه ويقتنعون بقيادته سيكون أقدر على صناعة الانتصار ممن يقود جيشا من العبيد.(الدستور)
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات