أخيراً يا «فتحماس» !
أخيراً.. وهو ما كان يجب ان يكون أولاً وقبل كل شيء تعانق توأمان كانا لدودين لزمن طويل، وبعد تكتم تجاوز التكتم الشهير في أوسلو، لكنه تفوق عليه وخلفه وراءه ..
عوامل الالتئام الوطني بين فتح وحماس وكل الفصائل الفلسطينية لا تحتاج الى تذكير بها أو الى تغذية عاطفية أو اعلامية، فالشارع الأخير لا يوازيه ويعادله الا الحائط الاخير وهما طرفا معادلة الحصار المزدوج في رام الله وغزة، رغم ان للحصار أشكالا عديدة وليس كله وقفا على الرغيف والدواء والكهرباء!
أول تعليق اعلامي على هذه المصالحة كان بهجة الفلسطينيين الذين طالما انتظروا هذه اللحظة مقابل غضب اسرائيل وانفعال رئيس وزرائها الذي عرف بردود افعال رعناء، وأثار سخرية العالم كله عندما خيّر السلطة الفلسطينية ورئيسها عباس بين حماس واسرائيل، فجاء الرد سريعا بلهجة فلسطينية لا تشوبها رطانة عبرية.. وهو حماس طبعا..
أحداث العالم العربي المتلاحقة وعلى هذا النحو الدراماتيكي لم تترك مجالا لأي طرف كي يقف متفرجا بانتظار ما سوف يؤول اليه مصيره، خصوصا بعد ان تأكد الجميع بأنه ما من أحد على رأسه ريشة وما من أحد يطوي تحت ابطه بوليصة تأمين لإبقاء الحال على ما هو عليه.
ان الدم لم يتحول الى الماء بحيث يعاد الى عنصري تكوينه أو يتبخر، وما خسره الفلسطينيون في كل أوان ومكان لا يقبل الخصخصة لأنه في النهاية من قضية غير قابلة للاحتكار أو المحاصصة، لهذا بالرغم من كل ذلك التباعد واختلاف الآراء حول أسبابه والعمل على تعميقها، لم يفقد الفلسطينيون الرجاء وصلوا جميعا من أجل لحظة لا تقبل القسمة على واحد وبمعنى أدق على نفسها فقط.. ولأن المصالحة راوحت بين نجاح واخفاق طيلة أعوام هي الاعجف في التاريخ الفلسطيني الحديث فان بعض الناس بسملوا وحوقلوا وضربوا أخماساً بأسداس لأن المفاجأة كانت كبيرة، وأيقن هؤلاء بعد ترشيد المفاجأة ان الالتئام الوطني الذي لا يسبقه أو يقترن به قرع طبول وتأويلات اعلامية هو الأصح، ليس فقط لأن الطرفين استعانا على قضاء أزمتهما المزمنة وليس حاجتهما فقط بالكتمان، بل لأن لكل طرف سياسي في هذا العالم وتره الخاص الذي يعزف عليه الأغنية الفلسطينية الشجية!
والقرائن التي يؤدي حاصل جمعها الى الجزم فإن هذا العام هو عام فاصل في التقاويم العربية لا سبيل الى التهوين من أهميتها وان كان التهويل ايضا يهبط المرحلة وكواهل من أخذوا على عاتقهم إعادة النظر في كل ما مضى.
وحين نشتق مصطلحا من طراز "فتحماس" فذلك ليس لأن كيمياء الوفاق الوطني تفرض ذلك، بل لان الاثنين ولدا من رحم واحد، واذا استمرا في الصراع فان هناك قبرا جماعيا واحدا ينتظر كليهما، وهذا ما يفسر الصدمة التي عبر عنها نتنياهو عندما توعد السلطة الفلسطينية بالعقاب، فهو على ما يبدو اخطأ قراءة النص من أول سطر فيه، وراهن على ديمومة الصراع بين فتح وحماس لكي يكون هناك في المزاد الدولي العلني اكثر من فلسطين واحدة!
القادم من الايام سوف يختبر هذا المنجز الوطني الذي ترقبه الناس بفارغ الصبر. كما سيختبر ايضا ما آل اليه الحراك العربي الراعف دما وعنفوانا وأحلاما، وبالتأكيد لن يكون هذا الحراك بعيدا عن فلسطين كما ان المصالحة الفلسطينية هي في الصميم فيه!(الدستور)