في حيثيات الحوار الاقتصادي

هناك حيوية حقيقية في المجتمع الأردني، فالحوار جار في مختلف الأوساط حول مجمل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة كما تدل وسائل الإعلام بجميع أشكالها والندوات والمحاضرات والاعتصامات، ولكن لدى البعض رغبة جارفة في مأسسة كل شيء، ولو عن طريق تشكيل لجان كبيرة يجري الحوار داخلها مع أن الحوار خارجها لن يتوقف.
آخر هذه اللجان لجنة الحوار الاقتصادي المكونة من حوالي 40 شخصا من مختلف المصالح والأفكار، وهي لا تسد حاجة كبرى أو نقصاً يراد استكماله، ولن تكتشف ما لا تعرفه الحكومة، خاصة وأن وزراءها حددوا سلفاً أمام اللجنة المشاكل والصعوبات والتحديات والفرص والاستراتيجيات بشكل عملي وعلمي مقنع، فلماذا تنتظر الحكومة ما سوف تخرج به اللجان مع أنها تعرفه، وتستطيع أن تتحرك الآن لأنها لا تملك ترف الانتظار والتسويات والحلول الوسط.
المشكلة الأولى، والعقدة التي يواجهها صانع القرار الاقتصادي، هي أن معظم الاقتراحات التي تخطر بالبال تحتاج إلى المال، وهو غير متوفر. ولن يتقدم أحد باقتراح من شأنه توليد إيرادات عامة، فكل الإجراءات تتطلب زيادة النفقات العامة أو إنقاص الإيرادات المحلية، أي المزيد من العجز المالي وتفاقم المديونية.
المشكلة الثانية أن الاعتبارات الاقتصادية والمالية تتناقض أحياناً مع الاعتبارات الاجتماعية والسياسية، فما هو نظام الأولويات. هل على الحكومة أن تلبي المطالب وتعمل لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وتحمل فروقات الأسعار على حساب العجز والمديونية، أم أن أمن واستقرار البلد بتطلب إعطاء الأولوية لسلامة المركز المالي ولو على حساب الجانب المطلبي. وهل هناك حل وسط يؤمن التوازن بين هذه الاعتبارات، وما هو.
كنت أتوقع من وزير المالية أن ينتهز الفرصة ليوضح تحديات الموازنة لهذا العام، ويحذر من خطورة ارتفاع العجز هذه السنة، ولكنه استعمل أرقام الموازنة ونسبها المئوية فيما يختص بالعجز وتكاليف الدعم وكأن تقديرات الموازنة التي أعدت قبل ستة أشهر ما زالت واردة، مع أن الدنيا تغيرت والظروف تجاوزتها. وإذا استمرت الأمور على حالها، ولم يرفع الوزير صوته بالتحذير فسوف يرتفع العجز وتتضخم المديونية. (الراي)