الأمية الثالثة!

تم نشره الأحد 15 أيّار / مايو 2011 02:03 صباحاً
الأمية الثالثة!
خيري منصور

 غالباً ما يتحدث المعنيون بالتعليم عن نوعين من الأمية هما الأمية بمعناها الأولي والمتعلقة بالقراءة والكتابة والأمية الاكاديمية التي تستشري في صفوف المتعلمين وهي بمعنى أدق أمية ثقافية تشمل أبعاداً سياسية ومعرفية واجتماعية. أما الأمية الثالثة وهي ثالثة الأثافي -كما كان يسميها أسلافنا القدماء لكي تستكمل الخيمة انتصابها- فهي أمية التأهيل لا بالمعنى المهني فقط، بل بالمعنى التربوي المتعلق بحقوق الانسان والديمقراطية والتدريب على قبول الآخر والحوار معه بدلاً من حذفه أو اقصائه، وهذا المستوى من التأهيل لا تقوم به معاهد أو مؤسسات بقدر ما يفرزه المجتمع ذاته وبشكل يومي من خلال احتكاك الأفراد ببعضهم.

ولا ندري كيف يمكن لمن لم ينتخب أحداً أو ينتخبه أحد طيلة حياته ان يفهم المقصود بالديمقراطية، لأن ما يسمعه عنها أو يقرأة عنها في وسائل الاعلام يجعله أقرب الى من يتعلم السباحة على سريره أو على حوض مليء بالرمل!.

التأهيل بهذا المعنى ليس مهمة تناط بدولة أو جهة شعبية محددة، لأنه مناخ أولاً وثقافة تترسخ بمرور الوقت، فمن يحبو لا بد ان يتعثر قبل أن تستقيم قامته على ساقيه والشعوب التي عاشت قروناً وهي تسمع عن الديمقراطية، وتظنها احياناً نوعاً من المعجنات لا بد ان تخطىء في استخدام اية نسبة ما في حال توفرها، ومن اعتادوا على نمط من التفكير يحكمه المونولوج أو التداعيات الفردية والاصغاء لا بد ان تصدمهم في البداية ثقافة الديالوج أو الحوار بقدر من الندية مع الآخر، فالطبع يغلب التطبع ولدى شعوب العالم كلها أمثال دارجة عن السرعة التي يعود بها الكائن الى ما اعتاد وتربى عليه وان كان الفرنسيون يختصرون المسألة بمثل يقول اقشر الفسيفساء لتجد الطين والجص تحتها!.

التأهيل في هذا السياق ممارسة، وتجريب يقترن بالتعثر وارتكاب الاخطاء، لأن ما ترسخ من عادات ذهنية يفسد بتدخله السريع كل ما هو طارىء من سبل التطوير والتغيير والارتقاء، وحين تشح نسب من يمارسون حقوقهم في الانتخاب عبر مختلف مجالاته فان معنى ذلك أحد أمرين، اما الافتقار الى الوعي بهذه المسألة منذ جذورها، أو الاحساس بعدم الجدوى، لان هناك شكوكاً في النزاهة تجعل المرء يشعر بالعدمية وبأن صوته لا قيمة له، والاكتفاء بوعظ الناس بأهمية مثل هذه الممارسات المدنية لن يكون له أي مفعول لأن ثقافة المواعظ وسرد الحكم بمعزل عن ملامسة الواقع والحاجات الفعلية لدى الناس يبقى مجرد كلام فاقد لمحتواه لفرط تكراره في كل المناسبات!.

واذا سلمنا بأن الاستبداد بكل تجلياته التاريخية هو السائد في ثقافة الاستحواذ وشحذ نوازع الامتلاك، والحذر من الآخر باعتباره غريماً وليس شريكاً، فان بث ثقافة بأطروحات انسانية واجتماعية مضادة للاستحواذ والاحتكار هو بمثابة تلقيح وقائي للأفراد من الاصابة بهذا الوباء، الذي تحول جرثومته في حال انتشار عدواها الناس الى اعداء الى ان يثبتوا العكس، والى متهمين الى ان يبرهنوا على براءتهم، وهذا بحد ذاته نقيض الاصول والأسس المنطقية والقانونية، لقد اخفقت تجارب القطاع العام اقتصاديا في الاقطار العربية التي تبنت صيغة ملفقة من الاشتراكية بسبب قوة الغرائز وفائضها الوحشي في مجتمعات لم تؤهل بما يكفي للمشاركة وأدبياتها، ولو راجعنا العديد من التجارب السياسية والاقتصادية في عالمنا العربي خلال اكثر من نصف قرن لوجدنا ان سبب الاخفاق فيها لم يكن خارجيا أو بفعل التآمر، بقدر ما كان بسبب الأمية الثالثة.. وهي أمية التأهيل!.(الدستور)
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات