حلاقو القرى

تم نشره الأربعاء 18 أيّار / مايو 2011 01:13 صباحاً
حلاقو القرى
خيري منصور

اذا كان فاقد الشيء لا يعطيه، وتلك من بديهيات المنطق، فكيف يمكن لمن لا يعرف اين يقف والى اية جهة تشخص عيناه ويبدو بوصلة معطوبة ان يهدي الناس الى سواء السبيل؟ واذا كان اسلافنا العرب قد اختصروا المسألة بعدد من الامثال الساخرة من طراز الاسكافي حافي او النجار مخلعة ابوابه فان ذلك لا يكفي لوضع نقطة في اخر السطر، فما يزال حتى ايامنا اناس يصدقون بان حلاق القرية قادر على اجراء جراحة في الدماغ، لهذا يختلط حابل الجهل بنابل المعرفة في هذا المشهد العربي الذي لا نعرف حدود بياضه من حدود سواده او رماده، واذا كانت عبارة ديستوفسكي الشهيرة اذا كانت السماء خالية فكل شيء مباح فان الاجدر منها بالتداول في نطاقنا القومي هو اذا كان الخجل معدوما فان كل شيء ممكن ومباح فالخجل امتياز بشري، وهناك مقالة شهيرة وغير متوقعة عن الخجل كتبها كارل ماركس قبل زمن طويل، لكنها قرئت بالمقلوب، ما يجب التذكير به مع اعتذارات لا حدود لها هو اننا لا نعيش الان في زمن حلاقي القرى الذين يخلعون الاضراس ويضمدون الجراح بوسائل بدائية، ومثلما تقدم الطب بمختلف حقول الاختصاص تقدم الاقتصاد ايضا واصبح مقياس ما يصدر من كتب عنه هو القدم المكعب، والعلوم السياسية لم تعد مكائد ودسائس وراء الكواليس، رغم ان هذا البعد منها سيبقى موجودا.

وفي عالمنا العربي يستطيع اي فرد ان يدلي بدلوه او بكل ما لديه من دلاء في الابار جميعها دون ان يجد ما يصده قليلا او يدفعه لاعادة النظر بما يقول، فقد يكتب في الاقتصاد من يخطئون في جدول الضرب او من لا يفرقون بين ادم سميث وادم خين ومنهم من تندرج معالجاته الاقتصادية على طريقة حلاقي القرى في باب اقتصاد الصدقات لفرط التبسيط والجهل بانماط الانتاج والتضاريس الطبقية للمجتمع الذي يعيشون فيه او على هوامشه..

ولا ندري متى ستترسخ لدينا تقاليد من طراز تلك التي تفرض على من يكتب عن شكسبير في بريطانيا ان يضيف شيئا ما الى الاف الكتب عن هذا الكاتب الذي افتخر ذات يوم وينستون تشترتشل بانه من بلده.

والخجل يصلح عقابا او كابحا ذاتيا، بحيث يصبح بديلا للاعتذار المعلن، بدءا من الاعتذار الى النفس حتى الاعتذار للاخرين الذين ضبطوا هذا الذي شعر بالخجل متلبسا بخطأ ما.

لكن في غياب الكابح الذاتي ما العمل؟ وكيف يمكن تسليم اجيال لمن يعبثون بابجدية التاريخ والعلوم والانسانيات؟

فالعرب لا يزالون مسحورين بالكلمة المطبوعة سواء كانت في جريدة او مجلة او كتاب لهذا يقول بعضهم مدافعا عن صدقية ما يرويه للاخرين بانه قرأة مطبوعا في صحيفة او كتاب، لكننا الان لسنا حديثي عهد بالتدوين بحيث يكتسب المطبوع قداسة ومعصومية، فثمة ركام من الكتب التي لا تساوي وزنها ورقا، وما يقال عن فن النحت الرديء يصح ان يقال ايضا عن الكتابة، وهناك عبارة شهيرة لالبير كامو عن تمثال رديء لاحد ابطال التاريخ، هي ان هذا التمثال يخلد الرداءة في الفن أكثر مما يخلد بطلا!

متى نعترف لانفسنا اولا ومن ثم لبعضنا ان المعرفة ليست فهلوة، وتختلف عن فن البعارة الذي يزدهر في اواخر مواسم الزيتون، وانها ايضا ليست ركاما يشبه محتويات كيس الشحاذ، حيث البامياء والموز واللحم ومرق الدجاج وفتات الخبز والكنافة في اناء واحد؟

هذا شعار اخر يضاف الى قائمة شعارات الاسقاط في الواقع العربي.. وهو شعار اسقاط حلاقي القرى الذين يجرون جراحات دقيقة للقلب والدماغ!! (الدستور)
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات