المواطنة

المدينة نيوز- كما العديد من المفاهيم السياسية والاجتماعية التي تأخذ في بلادنا اشكالا ملتبسة, تحول مفهوم المواطنة من ركن اساسي من اركان اي عقد اجتماعي مدني الى قضية اشكالية بدلالة اشكالية العلاقة الاردنية- الفلسطينية, فماذا عن هذا المفهوم.
1- من الصعب الحديث عن المواطنة قبل الحديث عن (الوطن) فالمواطنة ليست مسألة حقوقية مجردة.. ومن الصعب الحديث عن الوطن قبل الحديث عن شروط تشكيله التاريخية, ذلك ان الوطن ليس جغرافيا سياسية او اقليما او ارضا مجردة.
2- ان الوطن بمفهومه الحديث شديد الارتباط بمفهوم الدولة التي شكلها السوق القومي, وشكلت معها شكلا اجتماعيا جديدا ناجحا عن نمط انتاج رأسمالي جديد خلفا للنمط الاقطاعي...
في السابق, في النمط الاقطاعي كان الافراد جزءا من بنية عضوية متماسكة (عائلات وعشائر) وكان نمط الانتاج يكرس هذه العلاقة وكان الجميع في اطار امبراطوريات مترامية ومنها الامبراطورية الجرمانية في كل اوروبا المدعومة بايديولوجيا كنسية بابوية كاثوليكية ومنها الامبراطورية العثمانية في الشرق العربي والاسلامي.
اما بعد الثورة الصناعية الرأسمالية التي فككت النمط الاقطاعي الاقتصادي والاجتماعي فاصبح العمال والافراد اشخاصا قائمين بذاتهم وراحوا يبحثون عن عقد اجتماعي مدني بديل لعلاقاتهم القبلية السابقة, كما اصبحت الاسواق القومية الجديدة المتنافسة تبحث عن اشكال جديدة من الدول القومية البديلة للامبراطورية السابقة وسلطة الدين الرسمي.
هكذا ولدت الاوطان الجديدة وولدت معها مفاهيم مثل المواطنة بيد ان هذا القانون لم يمتد الى كل العالم. وكانت المفارقة ان بلدانا عديدة في جنوب العالم رغم انخراطها في النظام الرأسمالي العالمي, لم تملك نفسها شروط بناء دولة السوق القومي والمجتمع المدني الجديد, وظلت اسيرة لتركيبة مشوهة لعلاقات رأسمالية تابعة ودولة ومجتمع ما قبل رأسمالي قائم على علاقة القبيلة والغنيمة على حد تعبير المفكر الجابري... وزاد الطين بلة دور الاستعمار الاوروبي في تكريس هذه الحالة ومنع العرب من بناء مشروعهم القومي (محمد علي وجمال عبدالناصر).
3- وبهذا المعنى, فان الدول التابعة التي لم تؤسس نمطا اقتصاديا انتاجيا مستقلا في اطار سوقها القومي, لم تؤسس مجتمعا مدنيا جديدا ولم تتحول من جغرافيا سياسية ورقعة اراض الى اوطان سياسية. فصارت المواطنة فيها فكرة في الهواء وصارت الهوية عصبيات اقليمية (لقبائل تتصارع على الغنائم) وتتخذ ما تشاء من الاقنعة, هويات مزعومة ومواطنة من دون قدمين. (العرب اليوم )