الحدود كما تفهمها اسرائيل!!

من قرأوا المقالة التي كتبها "هركابي" بعد حرب حزيران عام 1967 حول المفهوم الاسرائيلي للحدود لا يعجب على الاطلاق من كل ما يصدر عن نتنياهو او اية حكومة اسرائيلية حول هذه المسألة..
فالحدود هي حيث يقف الجندي.. وان كان الاحتلال بعد اكثر من ستة عقود قد اضاف المستوطن الى الجندي، لهذا ما ان ترد عبارة دولة فلسطينية في حدود 1967 حتى تندفع قطعان جديدة من المستوطنين لتغيير هذه الحدود، ولو شئنا العودة الى ما هو ابعد وبالتحديد الى جذور المشروع الصهيوني فان الحدود مرنة بل مطاطية كما وصفها الراحل د. عبدالوهاب المسيري، لان جغرافيا ارض الميعاد تتسع او تضيق وفق معايير القوة والضعف وليس تبعا لاي مقياس رسم تقليدي للخرائط.
ان رفض نتنياهو لما عبر عنه اوباما في خطابه الاخير حول حدود حزيران ليس كما يقول بعض المعلقين الاسرائيليين بسبب ائتلافه مع اليمين او خشية من تقديم فرصة ذهبية لليبرمان، فشهاب الدين ليس بافضل من اخيه على الاطلاق قدر تعلق الامر بالتنافس على تحقيق الحلم الصهيوني، وما يحتاج الى بحث الان ليس ما يقوله نتنياهو او باراك او اي مسؤول في الدولة العبرية حول حدود الدولة الفلسطينية، بل هو المفهوم الاسرائيلي الدقيق للحدود.. فهي مثلا كانت بالنسبة لاسرائيل تتوقف عند تخوم الضفة الغربية وغزة والجولان قبيل حرب حزيران، ثم اتسعت لتشمل هذه المناطق بعد احتلالها ولو استطاعت اسرائيل ان تضيف مساحات اخرى الى خريطتها من اي بلد عربي لاستجابت مرونة الحدود ومطاطيتها لهذا الهدف!
ومن يتصور في النصف الثاني من القرن العشرين ان الحدود هي حيث يتعب الجندي او يتوقف فهو ليس من هذا العالم، ولا يفهم التشكل المعاصر للدول، فهو لا يحتكم لاي معيار غير القوة اذا قدر له ان يمتلكها، ولان اسرائيل تتصور بانها تمتلك مثل هذه القوة الان فهي لا تريد التفريط بالفرصة التاريخية خصوصا وان لدى قادتها على اختلاف المواقع قناعة بان المستقبل ليس حليفا لهم، وربما كان الكمين الذي يستدرجهم وهو ما عبر عنه ببلاغة شلومو رايخ حين قال بان اسرائيل تركض من نصر الى نصر الى نصر.. نحو هزيمتها، فهذه واحدة من المرات النادرة في التاريخ التي تنقلب فيها المعادلة الحسابية، بحيث تصبح الهزيمة حاصل جمع عدد من الانتصارات المتعاقبة، الحدود كما يراها نتنياهو تخضع هي الاخرى لما سمي الحروب الاستباقية او الدفاعية تماما كما سمي جيش الدفاع الاسرائيلي بهذا الاسم، وان كان موشي دايان وهو من ابرز جنرالات هذا الجيش قد اعترف ذات يوم بان التسمية كانت للتضليل وما سمي جيش الدفاع احترف الهجوم فقط لاكثر من ستة عقود!
واذا كنا نردد احيانا مقولة دايان الشهيرة وهي ان العرب لا يقرأون، فهذه مناسبة اخرى لاستذكار تلك المقولة، فلو قرأ العرب ما كتبه هركابي واخرون عزفوا على الوتر ذاته لما استغربوا مواقف نتنياهو وباراك وغيرها من عبارة دولة فلسطينية في حدود عام 1967 لان الجندي الاسرائيلي لم يتعب بعد بالقدر الكافي لوقوفه عند حد، واذا تعب فثمة احتياطي اسمه المستوطن ينوب عنه في انتهاك المزيد من الاراضي وتجريفها والاستيلاء عليها بالقوة!
ان فلسفة تتأسس على الاسطورة وخارج التاريخ لا بد ان يقابلها فهم للحدود من خارج الجغرافيا!!. ( الدستور )