توووك .. شو!!

قبل احتلال الفضاء وقبل ان يصبح عدد المذيعات والمذيعيين في العالم العربي اضعاف عدد الكتاب والباحثين وربما المثقفين ايضا، كان للحوار معنى، وله معادلة واضحة الطرفين، واذكر ان واحدة من اشهر مقدمات البرامج في الوطن العربي قبل عقود هي السيدة ليلى رستم قالت لي بانها لا تزال تفخر بما اجرته من حوارات مع الاعلام في الوطن العربي سواء في الثقافة او السياسات بدءا من العقاد وطه حسين حتى كمال جنبلاط.
ما يحدث الان هو العكس تماما شأن كل المعادلات المقلوبة، فزبائن الفضائيات حتى لو كانت ادنى من سطح الارض يفخرون بان فلانا او فلانة من المذيعين اجرى معهم حوارا.
ولم يبق الا ان تستكمل المعادلة انعكاسها بحيث يتولى الضيف الاسئلة ويتولى المذيع او المذيعة الاجوبة، وما كنت لاطرق الباب رغم معرفتي بانه لا يفضي الى اسرار لولا تجربة عشتها مؤخرا فقط طلب مني مقدم برامج بإحدى الفضائيات ان اكون ضيفا على برنامجه وحين قلت له بان ايقاعي ككاتب يختلف عن الايقاع المتلفز المطلوب، اتسعت عيناه، واحمر وجهه، وقال لي هذه اول مرة يعتذر فيها كاتب عن مثل هذه الدعوة فهم يسعون بمختلف الوسائل لكي يظهروا على الشاشة، ومنهم من يلجأ الى الواسطة عندئذ قلت له بهدوء اذن علينا ان نغير مقولة ديكارت الفلسفية الشهيرة وهي انا افكر اذن انا موجود كي تصبح انا أظهر على الشاشة اذن انا موجود!
ما يحدث الان هو وضع العربات امام الخيول لا في الاعلام فقط بل في السياسة وكل نشاط اخر، وكأن التطور الذي ظفرت به الميديا جاء على حساب الجوهر تماما كما توظف ارقى واحدث تقنية طباعية لنشر كتاب رديء وعديم القيمة!
واذا كان الاعلام الارضي بكل كلاسيكيته قد احتاج الى عقود كي يصبح متكررا او رتيبا ومضجرا ومحشوا في كليشيهات فان الاعلام الفضائي حرق المراحل واصبح رتيبا بفواصله وادعاءات من يتولون الحوار في اقل من عشر سنوات!
ما اسرع ان تتشابه المنجزات العربية وكأن القطعنة قدرها، ولعل غياب هاجس المغامرة خشية من الخطأ ورغبة في المشي على الطرق المطروقة والمعبدة بالأقدام هو سبب هذا التماثل وهذه النمطية، ويغيب عن الكثيرين ان سبب الزهد في الظهور على الشاشات لدى بعض المثقفين العرب وغير العرب لا علاقة له بالاكسسوارات الاعلامية، وثمة من يعتذرون رغم وفرة حظهم من الصوت والحضور وحتى الوسامة اضافة الى سعة المعرفة لان الفكرة التي يستغرق التعبير عنها الف كلمة مطلوب من صاحبها ان يختصرها في عشر كلمات ثم يسمع العبارة الاثيرة والمعلبة وهي شكرا جزيلا.. ويأتي الفاصل!
ان هذا النمط الجديد من العلاقة بين المحاور والمتحاور معه وبين المثقف ومن يسأله قد ينتهي الى ان يكتب المثقفون او بمعنى ادق اشباههم في سيرهم الذاتية ان فلانا او فلانة من قبيلة التوووك شو حاورهم!
وبالتالي تصبح العفة حرمانا او هكذا يتصور ساكنو الكاميرات!! ( الدستور )