عندما رد السوريون بحرق صور حسن نصر الله!!

كان عتب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على من وقفوا ضد ثورة البحرين محقا بعض الشيء، رغم أن تركيزه اللافت؛ هو ودوائر إيرانية وشيعية أخرى على تلك الثورة كان مخيفا بالنسبة للكثير من الأوساط العربية السنية التي كانت تستقبل بإصغاء ذلك الكلام الطويل العريض حول المؤامرة الإيرانية على المنطقة، أحيانا بالتواطؤ مع أمريكا وأحيانا من دون ذلك عبر استغلال الأقليات الشيعية في المنطقة، ويعلم السيد أن أجواء الحشد المذهبي والطائفي كثيرا ما تغيّب العقل وتستنفر الغرائز، لاسيما حين تدار المعركة بقليل من التوازن من لدن الطرف الآخر أيضا.
في المقابل سيجد السيد نصر الله الكثير من الصعوبة في الرد على سؤال تدخله في أحداث سوريا عبر تقديمه النصائح لشعبها بضرورة انتظار إصلاحات الرئيس الذي قال إنه عازم على الإصلاح.
لم يمض وقت طويل بين خطاب السيد وبين الصور التي بثت للطفل الدرعاوي حمزة الخطيب الذي عذب على نحو «سادي» يستفز المشاعر الإنسانية التي يفترض أنها عابرة للطوائف والأيديولوجيات، ما أكد بالفعل أن الرئيس عازم على الإصلاح!! لاسيما أن إعلانا بالتحقيق في الجريمة لم يصدر، ولو من باب «البروباغندا»، بينما توزعت أبواقه على الفضائيات تصف ما جرى بأنه محض تزوير يستهدف النظام المقاوم.
كان أولى بالسيد أن يحافظ على الاحترام الذي حصل عليه عبر مواجهته البطولية مع الاحتلال الإسرائيلي، بدل أن يعمل على زيادة جحافل القائلين بأنها كانت محض مؤامرة هدفها تثبيت أقدام المشروع الإيراني في المنطقة. أليس مؤسفا أن تُدفع جماهير الشعب السوري إلى حرق صوره علانية، هي التي كانت تهتف باسمه وتتغنى بانتصاراته، فضلا عن خسارته الكثير من حضوره في الوعي الجمعي للأمة بسبب هذا الموقف؟!
يعلم السيد نصر الله أن بشار الأسد لم يكن هو وحده من يدعم المقاومة في لبنان، وأن الشعب السوري كان يقف إلى جانب نظامه في هذا الملف وسواه من ملفات المقاومة والممانعة، وهو تبعا لذلك لا يستحق التنكر لعذاباته على هذا النحو.
لا حاجة لتذكير السيد بأن المقاومة والممانعة ليست نقيض الإصلاح في الداخل، اللهم إلا إذا رأى أن السوريين مجرد جحافل من العملاء للأمريكان يقودهم رئيس بطل، الأمر الذي يبدو مثيرا للسخرية إلى حد كبير.
يعلم السيد أيضا أن الشعب السوري لم يطلب ديمقراطية سويسرية، وكان بوسعه القبول بديمقراطية تقترب من الحالة الإيرانية. ألا ينتخب الرئيس هناك، والبرلمان أيضا؟ وهل سمع أحد يوما أعضاء مجلس النواب الإيراني يقفون أمام أحمدي نجاد لينشدوا فيه الأشعار، أو ليقول أحدهم إنه الأجدر بحكم العالم، وليس إيران فقط؟!
لم يقل السيد نصر الله للسوريين كم من الوقت عليهم أن ينتظروا كي تهلّ عليهم بشائر الإصلاح، وكم من الشهداء (دعك من الجرحى والمعتقلين) عليهم أن يشيّعوا قبل أن يخرج الرئيس معلنا عن إصلاحاته التاريخية؟!
ثم، هل تحول الاحتجاجات الجارية حاليا دون إعلان تلك الإصلاحات لكي يعرف الناس مواضع أقدامهم بدل انتظار ما يأتي ولا يأتي؟! ألا يردد المتحدثون باسمه أن تلك الاحتجاجات هامشية لا أثر لها في الواقع؟!
ليتك سكتّ أيها السيد ولم تتطرق للشأن السوري، وكان يكفي منك السكوت، لاسيما أنك كنت تتحدث في مهرجان التذكير بانتصار أيار العظيم (عام 2000) على الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، وهو انتصار يعتز به السوريون جميعا، تماما كما يعتز به العرب والمسلمون، لكن الانتصارات على العدو ليست مبررا لقمع الشعوب، وليست مبررا للركون لأنظمة تملك القابلية لبيع كل القضايا من أجل مصلحتها وبقائها. هل قرأ السيد تفاصيل مقابلة رامي مخلوف، ابن خال الرئيس مع صحيفة نيويورك تايمز؟!
لا نحب أن نصدق ما قالته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية حول إرسال إيران لخبراء ومدربين لسوريا كي يساعدوا نظامها في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية، ومعهم أجهزة متطورة لمراقبة مستخدمي شبكتي الفيسبوك وتويتر. ونتمنى أن يكون الخبر مزورا لأن من شأن صحته أن تزيد في حدة التوتر بين إيران والشارع العربي.
مرة أخرى نقول للسيد نصر الله إن ثورة الشعب السوري ليست مؤامرة أمريكية صهيونية لتقويض نظام المقاومة والممانعة، بل هي ثورة نابعة من ضمير الشعب السوري التواق للحرية، وفي ظني أنه يعلم ذلك تمام العلم، لكنها السياسة وتحالفاتها اللعينة التي دفعته إلى منح مزيد من رخص القتل للنظام، ما سيحمله أوزارا لا يعلمها إلا الله. ( الدستور )