عندما يكون التغيير بنيوياً!!

ما تورط به العرب دائما وبما يشبه القدر التاريخي هو استدعاء ذلك الاحتياطي التقليدي المتمثل في تغليب الولاء على الكفاءة واذا كان هذا من أهم اسباب الثورات وحركات التغيير منذ ستة عقود على الاقل بدءا من ثورة يوليو، فانه يتحول بمرور الوقت الى سبب يعاد انتاجه لصالح ثورات اخرى، وهذه الظاهرة ليست طارئة في عالمنا العربي لان صراع التوائم أو الاشقاء اللدودين استمر أجيالا وبلا انقطاع، مما يرسخ الخوف من الآخر المنافس، لهذا سيكون اتقاؤه بنسج درع من المقربين والموالين لأن الثقة بهم أغلى من كفاءات سواهم، والآن تحدث تغييرات منها ما هو شبه جذري في عالمنا العربي، وتخاض معارك وسجالات ساخنة حول الكفاءة والولاء، فمن كانوا يحسبون على النظم السابقة يتم الحكم عليهم بلا استثناء بأنهم ممن كانوا يسبحون بحمد اولياء النعم، لكن هذا ليس دقيقا، وقد عبر عنه علماء ومفكرون وفنانون منحازون للتغيير منهم د. فاروق الباز والفنان محمد صبحي وآخرون, فهؤلاء قالوا مثلا ان كل موظفي الدولة المصرية ليسوا من نسيج النظام السابق، ولو طبقت هذه النظرية الراديكالية لاصبح اكثر من خمسين مليون موظف وكادر في الدولة مدانين بعدائهم للعهد الجديد!
وما يجب ان يحرص عليه قادة التغيير - ان وجدوا - هو عدم الاصابة بالعدوى من النظم التي ثاروا عليها، بحيث يصبح الموالي مجددا بديلا لصاحب الكفاءة أو ان يصبح المعيار الوحيد للحكم على الناس بالبطولة أو الخيانة أو الاعتصام في الميادين فقط، رغم ان الطبيب الذي كان يمارس عمله في ذروة الفوضى وغياب الامن لم تكن تنقصه الامانة الوطنية والمهنية، ويخطىء من يتصور ان مثل هذه القراءة غير الافقية لمشهد التغيير تهدف الى خلط الاوراق، او الامساك بالعصا من الوسط، فالناس الآن ليسوا في مرحلة تاريخية سبقت التدوين والارشيفات، وما من مجال لأحد ان يزايد على أحد ما دامت الملفات كلها مفتوحة وفي الهواء الطلق!
مرة اخرى حذار من تجديد صلاحية تلك النظرية البائدة، وهو يتلخص في تغليب الولاء أو الممالأة على الجدارة، خصوصا في المهن الدقيقة والتي يتطلب اتقانها شروطا تتجاوز السياسة وشعاراتها!
لقد كان من بين اسباب هزيمة حزيران عام 1967 تغليب الولاءات، حتى في المجالات الاكاديمية والعسكرية والسياسية، وهذا ما قيل عن أحد اسباب انهيار الاتحاد السوفييتي وهو عدم وجود الرجل او المرأة المناسبين في الامكنة المناسبة!
والحراك الطلابي العنيف الذي أعقب هزيمة حزيران خصوصا في مصر كان متزامنا مع حراك شبابي عالمي عبرت عنه ثورة مايو عام 1968 واذكر كشاهد عيان في تلك المرحلة ان الهتافات الطلابية كانت تتجه ضد من كانوا بالامس القريب ثواراً، بدءاً من عبدالناصر والمشير عامر حتى آخر عضو في جماعة الضباط الأحرار!
ولكي يكون اي تغيير بنيوياً وفي عمق النسيج يجب ان يبدأ من الجذور، سواء كانت تربوية او ثقافية، او أعرافاً رسختها ثورات شاخت وتقاعدت ووجدت من أحفادها من يثور عليها!!(الدستور)