لا للتدخل الخارجي لا للاستبداد الداخلي

منذ عقود طويلة والوطن العربي يخضع لحالة مركبة من الاستبداد والتجزئة والتخلف والاحتالالات الصهيونية والاوروبية والامريكية والتبعية السياسية والاقتصادية والثقافية.
وبدلا من التأكيد على درجة التشابك بين هذه الظواهر باعتبارها اقنعة متعددة لوجه واحد هو تغييب الامة وحقها في بناء دولتها القومية الناهضة المدنية الديمقراطية, اختلط الامر على اوساط واسعة من قوى التحرر الوطني مما احدث بلبلة وتشوشا في الشارع العربي نفسه.
وهو ما تجلى في معاينة اكثر من حالة منها ليبيا على سبيل المثال حيث انقسم هذا الشارع بين عدة تيارات:
1- تيار مراقب بين الخوف من التدخل الخارجي المجرب الذي لا يحمل سوى الخراب واللصوصية, خراب البلد وتمزيقه وسرقه ثرواته, وبين القرف من حجم الاستبداد الداخلي ولصوصيته وفظائعه والمزارع العائلية للرؤساء الفاسدين المستبدين.
2- تيار مأجور متورط مع السفارات الاجنبية خاصة الامريكية او مع اجهزة الاستبداد المحلي ورشواتها المعروفة.
3- تيار وصل حد القرف من الاستبداد والفساد المحلي والعجز عن تغييره بسبب الطابع المتوحش لادوات وماكينة هذا الاستبداد.
4- تيار وصل به الخوف من التدخل الاستعماري الوقح النهاب الى غض الطرف عن الاستبداد والفساد المحلي وانتظار سنوات اخرى لعل وعسى يحدث ما لم يكن في الحسبان.
وبين هذا التيار وذاك لا يجوز قراءة هذا المشهد بمعزل عن الحراك الاجتماعي- السياسي نفسه المفتوح في كل لحظة على احتمالات شتى.
والادق هنا, ان نعير اهتماما كبيرا لتداخل كل هذه الحسابات, فالاستبداد والفساد ليسا مقطوعي الصلة عن التدخل الخارجي, فهما ابناء عم ابا عن جد ومثلهما علاقة التجزئة والتبعية والتخلف والاحتلالات المختلفة بقوى الاستعمار ومصالحه وادواته.
انطلاقا من ذلك, فليس الخيار الصحيح ان نكون مع الغزاة الامبرياليين الاجانب ضد الاستبداد والفساد الداخلي او ان نكون مع هذا الاستبداد ضد هؤلاء الغزاة فهذا الخيار ضلالة سياسية ومعرفية كبرى ذلك ان الاستبداد والتدخل الخارجي وجهان لعملة واحدة وذلك ان قضية الحرية قضية واحدة ايضا, الحرية والتحرر من الاستبداد والتحرر من الاستعمار معا.
وبهذا المعنى على الشعب الليبي ان يبتكر من الاساليب والوسائل ما يضمن استمرار ثورته ضد الطاغية ومزرعته العائلية, من جهة وان يتذكر ويستعيد تقاليد الجهاد والكفاح ضد الاستعمار الايطالي ويستعد لمواجهة الاستعمار الجديد الذي لم يتحرك الما وحزنا على الدماء التي سفكها الطاغية, بل شغفا وحبا بالنفط الذي يسيل له لعاب الشركات الامبريالية كلما سالت اباره في الصحراء الليبية. (العرب اليوم)