الغش في الجامعات
الإعصار الذي ضرب التعليم بكل مستوياته، والمتمثل بجائحة كورونا، التي تحولنا بسببها إلى التعليم عن بعد، في بلاد لا طلبتها مؤهلون لمثل هذا النوع من التعليم، ولا بنيتها التحتية جاهزة، ونفتقد لثقافته، وأدبياته، واعتبرناه آنذاك خيارا مؤقتا، بدلا عن المكوث في البيوت بلا تعليم، لكننا أمضينا عاما وأكثر نمارسه في مدارسنا وجامعاتنا، فطلبة الجامعات ينخرطون اليوم في فصل رابع من التعليم عن بعد، والتقييمات الإيجابية تأتي من طرف واحد، بينما التحفظات من أطراف كثيرة..
للأمانة؛ لا أنكر فوائد التعليم عن بعد، وأنه تعليم ممكن، وفيه إيجابيات، لو أجرينا عليه بعض التعديلات والتعليمات، فالطالب يمكنه التفاعل معه بارتياح، ويمكنه الحصول على المعلومة، في جو هادىء، بعيد عن التفاصيل الفائضة عن كل الحاجات، وأتحدث هنا عن التعليم الجامعي، حيث هناك تخصصات لم تتأثر بموضوع التعليم عن بعد أو وجاهيا، بل إن التعليم عن بعد قدم إضافات وتسهيلات للطلبة، تمكنهم لو أرادوا أن يحوزوا على تعليم أفضل..
على الصعيد المعرفي، المعلومة تصل كاملة للطالب، وبإمكانه أن يعود للمحاضرة في أي وقت، ويلتقط ما غاب عنه، وهذه واحدة من الخصائص التي لم تكن متاحة سابقا، حيث كان ممنوع على الطلبة أن يسجلوا صوت الدكتور أثناء شرحه للمحاضرة!.. واليوم يوجد تسجيل بالصوت والصورة لكل المحاضرة، ودون مقاطعة او توقف، كالذي كان يحدث في التعليم الوجاهي، وأصبح لدى الطالب وقت طويل، يمكنه من برمجته وتنظيمه، والإحاطة بالمواد والبحث فيها لتعزيز معرفته بها أكثر، أما على الصعيد الاقتصادي فقد تخلص الجميع من نفقات المواصلات والسكن بعيدا عن المنازل، وسائر النفقات اليومية التي كان الطالب مضطرا لصرفها، والجامعات كذلك، توقفت عن الإنفاق على كثير من المتطلبات والخدمات، كالماء والكهرباء والتدفئة والصيانة..الخ، وهذه فواتير كبيرة كانت تشكل باب إنفاق في الجامعات، لكنها اليوم صفرية.
المشكلة في «الغش» بالامتحانات، الذي يلجأ إليه كثير من الطلبة، حتى إن بعضهم أصبحوا من «الأوائل»، لأنهم يجيدون الغش في الإمتحانات، وهذه أسوأ نتيجة يقدمها التعليم عن بعد، وهي تعود لضعف البنى التحتية المطلوبة لهذا النوع من التعليم، وتمترس الجامعات أو تقييدها بأوامر الدفاع، وقد لجأت بعض الجامعات الى الرقابة الآلية على الطلبة أثناء جلسة الامتحان، وهي مهما بلغت من الحزم والصرامة، فهي لا تمنع الغش، لأن الغشاش يمكنه ابتكار طرق للإلتفاف على الرقابة بكاميرا، وكان وما زال المطلوب هو تغيير نظام الامتحانات بالنسبة للجامعات وحتى للمدارس الخاصة والحكومية.
بعض التخصصات المهنية، أي التي فيها جانب تطبيقي عملي في مختبرات أو في مستشفيات، تم إجراء بعض التغييرات على طريقة دراستها، فطلبة الطب في السنوات الأخيرة، أصبح لديهم وضع خاص، ويزاولون التدريب كالمعتاد، لكن في ظروف مشددة من الالتزام بمعايير السلامة، وهذا ما يجب أن تفعله الجامعات مع امتحانات سائر التخصصات، حيث يمكنها أن تسمح للطلبة بتقديم الامتحانات «وجاهيا»، في قاعات الجامعات ومدرجاتها، وضمن معايير السلامة المعروفة، حيث يمكن وضع برنامج للامتحانات، يضمن عدم وجود أعداد كبيرة من الطلبة في حرم الجامعة، ليتمكنوا من تقديم امتحانات «بلا غش»، لضمان عدالة التحصيل الأكاديمي وسلامته.
لو كان التقييم عادلا، وتجري الامتحانات بكل نزاهة، فأنا أقول بأن التعليم عن بعد في تخصصات جامعية كثيرة، هو أفضل من التعليم الوجاهي..
بالله شو رايكو بهالاقتراح؟
الدستور