قتل الاب وفوضى الام عربياً

ساحاول في هذه المغامرة العقلية ان اقارب الثورات العربية بقراءات سيكولوجية وانثروبولوجية (مفرطة) انطلاقا من غياب الاندماج المدني وعدم انجاز العرب لثوراتهم البرجوازية الديمقراطية وانهم اقرب الى حالة الاهالي والجمهور والسلطة البطركية والقبائل والغنائم منهم الى حالة الشعب والمواطنة ودولة العقد الاجتماعي... مما ترتب عليه غياب الشخصية المستقلة للفرد - الانسان لصالح استمرار شخصية الكائن الجمعي ما قبل الرأسمالي وليس الاجتماعي (الرأسمالي) وذلك ان الشخصية المستقلة ارتبطت بتحرير الافراد من انماط الانتاج الاقطاعية والجمعية البدائية لصالح انماط انتاج صناعية لا مكان فيها للكائن الجمعي.
وبهذا المعنى تأخذنا المقاربة السيكولوجية والانثروبولوجية الى الملاحظات التالية:
1- ان الشارع العربي عموما هو القاعدة الاجتماعية للنظام الرسمي نفسه, هو مجموع الابناء للاباء المتنفذين, لسلطة الدولة, او الحزب او النقابة او العشيرة او الطائفة او الجماعة.. الخ وللدكتور عبدالرحيم ملحس دراسة مهمة حول هذا الموضوع وعندما كانت هناك بعض الوفرة في الموارد كان الوضع معقولا ومع نضوبها شيئا فشيئا, بدأت بوادر التمرد تلوح ضد هؤلاء الاباء.
وتساعدنا دراسة فرويد (الطوطم والتابو) في اكتشاف وتتبع هذا التمرد الذي يصل حد القتل لاسباب تبدو غير مرئية (اوديب) او لاسباب واضحة كما في المسرحية الاغريقية انتيغونا (تمرد هامون على كريون) وكما في رواية دوستويفسكي الاخوة كاراما زوف (رغبة الابن بقتل الاب) ويلاحظ في كل ذلك وجود ابن آخر مهمش مضطرب بين المشاركة في قتل الاب او الدفاع عنه ومثل ذلك ظاهرة (المعذبين في الارض) عند فانون والانسان ذو البعد الواحد عند هربرت ماركوز وكذلك سكان العشوائيات ومدن التنك وقاع المدينة والبلطجية.. الخ.
2- مقابل ذلك, فان الظاهرة المذكورة مفتوحة على اكثر من احتمال, فمن اعادة انتاج سلطة الاب والندم الرمزي ما ان يصبح الابن ابا جديدا الى الاحالة على اب من الماضي (السلفية) الى الاحالة على اب مستورد كما هو حال الثورات البرتقالية وفلاسفتها (جين شارب وبيتر اكرمان) الى الازاحة السلبية (النكوص) الى الازاحة الامومية (فوضى السلطة) كما يعبر عنها مفكران يساريان, هما سوريل (استبدال الدولة والحزب وكل مركزية ايديولوجية بطركية بالنقابات الثورية) وباكونين مؤسس الفوضوية..
3- الى ذلك, ثمة مقاربة ثالثة لا تحيل الى الندم واعادة انتاج صورة الاب او الاندماج فيها عبر طقوس دورية ولا تحيل الى فوضى الام البدائية ولا الى البحث عن اباء مستوردين او من الماضي.. وهي مقاربة التحرر تماما من ثقافة الاستلاب والاسقاط والازاحة والاحالة الى زعيم مبجل طافح بالعطايا والهزائم المجيدة. ( العرب اليوم )