طلاق سياسي أم خلع

الطلاق أبغض الحلال عند الله اذا كان بين زوجين لكنه ليس كذلك اذا كان بين شعب مغلوب على أمره وحاكم مستبد، وربما كان مثل هذا الطلاق السياسي البائن بينونة تاريخية كبرى من أحب الحلال الى الله، وحين سميت النظم الشمولية والمطلقة وذات الوصاية الابدية بالنظم الباترياركية، فان دلالة ذلك ان الباتريارك ليس الزوج السياسي المستبد لشعب ما، بل هو ايضا الاب الذي لا يؤمن بالفطام والبلوغ حتى لأكبر الأبناء، وعندما فشل الطلاق السياسي بالطرق التقليدية وعبر المحاكم وشاهد العرب فيلما شهيرا لفاتن حمامة بعنوان أريد حلا حيث بقيت المرأة معلقة لا خلال مدة الفيلم فقط، بل ما تبقى من عمرها، لم يبق أمام الباحثين عن حل الا طرق باب آخر اسمه الخلع، لهذا لجأت الشعوب الى هذا الحل رغم كل المكابدات والعوائق التي اعترضت الطريق في المرات الاولى، لهذا فان صفة الزوج المخلوع لا تسيء اليه بقدر ما هي توصيف لغوي دقيق لحالته، وعليه ألا يغضب لأن الباب اذا خلع لا يشهر يده الحديدية في وجه خالعه، لكن العرب ميالون بالفطرة الى استخدام لغة مجازية وليس لديهم مثل ذلك المثل الانجليزي الذي يقول يجب ان تسمى المجرفة مجرفة ولا شيء آخر، وان كان لديهم مثل اقسى من ذلك وهو أن يقال للأعور بأنه أعور، وان كانوا قد احتالوا مجازيا على هذا المثل وسموا العين العوراء عينا كريمة.
ما يحدث في عالمنا العربي جذوره بل شروشه عميقة في التاريخ، وهناك حكاية تروى عن حاكم مستبد خاض حربا وانتصر فيها ثم طلب من القاضي الذي يعمل تحت سلطانه ان يوزع الغنائم ومنها السبايا بالعدل.. وبالفعل حاول الرجل ان يكون عادلا فقال ان هذه الحسناء لمولاه.. والثانية لقائد جيشه والثالثة لوزيره فلان والرابعة لوزير آخر..
عندئذ لطم الحاكم القاضي على وجهه حتى أسال الدم من أنفه وفمه، وقال له أعد القسمة بالعدل.. وفهم القاضي المسكين ما الذي يقصده سيده بالعدل فأعاد القسمة على النحو التالي: هذه الخنساء لسيدي في الفجر، وهذه له في الضحى وتلك له في الظهيرة، وتلك ايضا له في المساء.. الى ان اعطى الصبايا من السبايا كلهن الى سيده.. عندئذ قال له سيده.. لله درك، من علمك كل هذا العدل؟ فأشار القاضي الى فمه النازف ثم الى قبضة سيده واجاب.. يدك الأقوى من مطرقة يا مولاي!
كان أمام الازواج المستبدين ان يقبلوا بالفراق والتسريح باحسان، لكن العزة أخذتهم بالاثم وأرادوا الزواج ايضا من الرجال والغلمان والشيوخ، فكان لا بد من طرق باب الخلع..
وكان أمام الازواج أن يحملوا لقب ازواج سابقين، لكنهم فضلوا ان يحملوا لقب المخلوعين.. بقي ان نقول ان المرأة أو الزوجة الشجاعة التي خلعت بعلاً جائراً عليها ان تحترف الزواج بعد ذلك، لسهولة الخلع، فالمسألة عندئذ تصبح لها دلالات اخرى..
ولكي نقترب من الباب بعيداً عن النوافذ وشقوق الجدران نقول بأن الشعوب التي تنجح في تحقيق أحب الحلال الى الله وتنجو بجلدها وابنائها من الباتريارك المستبد، عليها ان تنصرف الى تربية الابناء أو اختيار زوج كفء وعادل أو ان تتفرغ لتنشئة ابناء اوشكوا على الضياع.. أما كان من الاجدى والاسلم التسريح السياسي باحسان؟
فمن يعتبر؟؟؟
( الدستور )