مشروع مقترح للإصلاح الوطني الشامل في الأردن

المدينة نيوز - دعا السيد بلال حسن التل, إلى بناء جبهة وطنية موحدة, تجمع قوى الأردنيين, وتوحدهم وتنقذ الحركة الوطنية من حالة الشرذمة, وتفرز قيادات شعبية حقيقية, وتتبنى مشروعاً متكاملاً للإصلاح الوطني, يقوم على عقد اجتماعي جديد بين مكونات الدولة الأردنية.
وأضاف التل الذي طرح على القوى الحزبية والنقابية والبرلمانية والشخصيات السياسية مشروعا للاصلاح الوطني الشامل, ان ما يجري في بلدنا حتى الآن, لا يقود إلى الإصلاح المنشود, لأنه يركز على إفرازات الفساد ومظاهره.
ويطرح حلولا مسكنة.
في حين تحتاج معالجة الفساد إلى عملية جراحية تجتث أسباب الفساد ووجود الفاسدين, وتخرج الدولة الأردنية من حالة التفكك التي نعيشها.
وجاء في المبادرة ان الحديث عن الإصلاح, انحصر حتى الآن في الجانب السياسي, وعلى جزئية التشريع من هذا الجانب, بينما المطلوب هو إصلاح أسس الدولة, وهويتها ودورها, والعلاقة بين سلطاتها ومواطنيها, لذلك فإن الإصلاح يجب ان يكون شاملاً من خلال رؤية شاملة ترتكز على فلسفة فكرية وتربوية وسياسية واجتماعية واقتصادية واضحة.
ودعت المبادرة إلى إعادة النظر في آليات تشكيل الحكومات ابتداء من اختيار رئيس الوزراء وأسس اختيار الوزراء ومواصفاتهم ومسؤولياتهم, وصولاً إلى آلية منح الثقة بالحكومة والنسبة التي يجب ان تحصل عليها من أصوات النواب المنتخبين انتخاباً حراً ونزيهاً, مع إعطاء الحكومة الوقت الكافي لتنفيذ برامجها.
ودعت المبادرة إلى تحرير إرادة الأردنيين وتركهم يختارون ممثليهم, والتوقف عن كل شكل من اشكال اغتصاب هذه الإرادة وتزويرها, من خلال وضع قانون ونظام انتخابيين من شأنهما صهر الأردنيين في بوتقة وطنية واحدة, بدلاً من القوانين التي شرذمتهم, ونمت بينهم العصبيات الضيقة. مع التوقف في الوقت نفسه عن سياسة صنع البدلاء والنفخ فيهم, سواء كان ذلك من خلال تصنيع النواب أو الأحزاب أو شيوخ العشائر, وهي السياسة التي أضعفت البلاد وحرمتها من القيادات الحقيقية في كل المجالات.
ودعت المبادرة إلى تأطير الأردنيين في المؤسسات المجتمع الأهلي المحصنة ضد الاختراق وأولها الأحزاب التي هي شرط من شروط الدولة الحديثة ومن أهم دعائه الديمقراطية وأدواتها الحديثة.
ودعت المبادرة إلى احترام الدستور وعدم اتخاذ أي قرار خارج القنوات الدستورية وصلاحيات السلطات الدستورية الثلاث, على ان تجري مراجعة وطنية شاملة للدستور بهدف تطويره ليتماشى مع تطلعات الأردنيين وطموحاتهم. ودعت المبادرة كذلك إلى احترام التشريعات النافذ والتقيد بها لأن ما هو أهم من النص التشريعي هو احترام هذا النص والالتزام بمضامينه.
واقترحت المبادرة, بالإضافة إلى إنشاء الجبهة الوطنية العريضة, إنشاء هيئة شعبية مستقلة نافذة وقادرة ودائمة, لمراقبة أداء السلطات, والحفاظ على حقوق الشعب الأردني, ولمنع الانقلاب على مسيرة الإصلاح, وعلى حقوق الأردنيين. كما دعت إلى إنشاء مجلس سياسات يجمع نخبة من أهل الثقة والاختصاص والتجربة في كل المجالات, ممن يتمتعون بمصداقية لدى الناس, على ان يعمل هذا المجلس بشكل مؤسسي, وتكون مهمته صياغة السياسيات والتنسيق بينها, ومراقبة تنفيذها منعاً لأي خروج عنها يفقد الدولة وحدة تفكيرها وتصورها وأدائها. وان يكون للدولة خطابا موحداً, على ان يتم تحديد أهداف واضحة لكل قطاع من قطاعات الدولة. كما دعت المبادرة إلى إصلاح الدبلوماسية الأردنية لتخدم دور ورسالة الأردن وطموحات وتوجهات الأردنيين.
وحددت المبادرة مرتكزات وأسس الإصلاح, وأولها ان الشعب الأردني هو الشعب السيد, وانه مصدر السلطات, وان الدولة الأردنية قامت كدولة دور ورسالة, وان هذا الدور وهذه الرسالة هما مصدر قوتها, وان الأردن جزء لا يتجزأ من أمته العربية والإسلامية وان دولته الحديثة قامت كقاعدة لمقاومة المشروع الصهيوني, لذلك لا بد من إعادة بناء الأردن والمجتمع الأردني كمجتمع عربي مقاوم والتأكيد على عمقه العربي, وهذا يستدعي إعادة العمل بخدمة العلم بعيداً عن كل الحسابات الاقتصادية ورفض كل محاولات التطبيع مع العدو الصهيوني. كما ان الدولة الأردنية الحديثة قامت كقاعدة لوحدة الأمة, لذلك فإن أي تكامل وتنسيق يجب ان يقوم على أساس عربي.
كما دعت المبادرة إلى احترام أدوات الدولة واولها الرجال البناة الثقافة ممن تتصف بالنظافة والعفة الذين يمتلكون رؤية واضحة مع قدرة على تحويلها إلى واقع مع وثانيها التشريع النافذ وثالثها الإدارة الفاعلة تم احترام تقاليد الدولة والإعلام الذي يجسد رسالتها.
ودعت المبادرة إلى تثبيت الهوية السكانية للدولة الأردنية وتوحيد خطابها والتأكيد على أهداف الآباء والمؤسسين للدولة الأردنية الحديثة, والحفاظ على العصبيات التي قامت عليها الدولة الأردنية واولها عصبية الدور والرسالة, وثانيها عصبية العشيرة كوحدة اجتماعية, وثالثها عصبية الجيش العربي, داعية إلى تأطير الأردنيين في أطر سياسية حديثة من بينها الأحزاب والنقابات والجمعيات وازالة كل العوائق التي تحول بين الأردنيين والانخراط في هذه الأطر مع ضرورة تحصين المجتمع المدني الأردني ضد الاختراق الأجنبي.
ودعت المبادرة إلى تحديد العلاقة بين المواطن والدولة على أساس المواطنة ورفض فكرة المحاصصة, وسياسية المكارم والأعطيات, وان يكون الحكم بين الأردني ودولته هو الدستور والقانون مع تفعيل سياسة الثواب والعقاب, وان تكون سيادة القانون هي المعيار الوحيد للعلاقة بين الدولة والمواطن. مع تأكيد مبدأ تكافؤ الفرص على أساس ان الأردنيين سواء أمام القانون وان تكون المصارحة والشفافية ركيزة هذه العلاقة.
ودعت المبادرة إلى إصلاح المنظومة القيمية, لأن الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري هو مظهر وإفراز من إفرازات الفساد القيمي عند الفرد والمجتمع. كما دعت المبادرة إلى إصلاح التعليم في الأردن, خاصة على صعيد تباين المناهج الذي يحول الأردن إلى جزر معزولة تحول بينها حواجز المفاهيم والقيم والعادات والتقاليد التي انعكست شرذمة في الثقافة الوطنية مع ضرورة الاهتمام باللغة العربية واحترامها.
كما دعت المبادرة إلى الإصلاح الاقتصادي لوقف الانهيار في الإدارة العامة عبر عملية إصلاح إداري شامل. كما دعت المبادرة إلى إصلاح الجهاز القضائي وتحصينه.
وتاليا نص وثيقة :
يعيش بلدنا منذ سنوات, حالة غير طبيعية, في العلاقات بين مكونات دولته. واضطرابا في العلاقة بين مختلف السلطات الدستورية من جهة, وبين هذه السلطات وجموع الأردنيين من جهة أخرى. خاصة في ظل التغيرات الجوهرية التي أدخلت على مفاهيم, وأساليب إدارة الدولة ودورها, وسيطرة رجال المال والأعمال, على الكثير من مفاصل القرار في الدولة الأردنية. وهي السيطرة التي أدت أيضاً إلى تغيرات جذرية وجوهرية, في منظومة القيم السياسية, والاجتماعية, والإدارية, والاقتصادية, التي تحكم العلاقة بين مكونات الدولة, فنمت ظاهرة الانتهازية السياسية, وسيطرت السطحية على الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في بلدنا. مما أحدث خللاً شاملاً في مجمل الأوضاع الوطنية. فصار الفساد سمة أساسية من سمات الدولة الأردنية, وهو الفساد الذي كثرت ألوانه, ومظاهره وأساليبه, واستقوى على كل السلطات. مما سبب حالة متزايدة من الاحتقان, لدى معظم شرائح الشعب الأردني, الذي عبر عن غضبه, مما يجري في بلده, بصور مختلفة, الأمر الذي أدى إلى إطلاق ما سُمي بعملية الإصلاح. غير ان المراقب المتأمل لسير الأمور في بلدنا يكتشف ان ما يجري, لا يقود إلى الإصلاح المنشود. لأن ما يجري يركز على إفرازات الفساد ومظاهره, لا على أسبابه الحقيقية. ويطرح حلولاً مسكنة, في حين تحتاج معالجة الفساد في بلدنا إلى عملية جراحية, تجتث أسباب الفساد ووجود الفاسدين, وتخرج الدولة من حالة التفكك التي تعيشها.
إن ما يجري حتى الآن, لا يزيد عن كونه عمليات ترقيع للثوب, وتسكين للأوجاع, وشراء للوقت. من خلال الاستجابة لمطالب فئوية محدودة, بهدف كسب الوقت على أمل إخماد غضب الأردنيين, عبر المسكنات والإجراءات التجميلية من جهة, وهو يدل من جهة أخرى على ان جل القائمين على الأمر, غير مؤهلين لتحمل المسؤولية, ومواجهة حقائق الواقع. فقد ابتُلينا في السنوات الأخيرة بحكومات ضعيفة, ليس لمعظمها لونٌ سياسيٌ أو اقتصاديٌ أو اجتماعيٌ. حكومات تعاني من غياب الانسجام بين أعضائها, ومن ضعف في الخبرات, والتجارب على الصعيد السياسي والاقتصادي. فصارت مهمتها تدوير الأزمات وترحيلها.
حكومات تكونت من أشخاص ضعفاء, أصحاب نفوس مهزوزة, وقلوب مرتجفة مرتعشة, لا يصلحون للحكم والقيادة, اللذين يحتاجان إلى الحزم المسيّج بالعدل والرحمة, بالإضافة إلى الخبرة والتجربة. وفي ظل هذه الحكومات الضعيفة, أصيبت أجهزة الدولة بالرعب, فلم تعد قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة والحاسمة. فكيف إذا أضفنا إلى الضعف غياب التنسيق بين هذه الأجهزة, ومن ثم غياب التكامل بينها, وصولاً إلى ما هو عكس ذلك. عندها تسهل عملية ليّ ذراع الدولة وابتزازها, وهذا ما لاحظناه في الأسابيع والشهور الأخيرة, عندما لمس المطالبون ضعفاً في الحكومة, وارتباكاً في أدائها, مِما جعل بعض الفئات تُصعّد من مطالبها, لتصل إلى مطالب لها تأثير على بنية الدولة ومكوناتها وتركيبتها السكانية. علماً بأن بعض هذه المطالب تعرض الدولة الأردنية, لمزيد من التفكك, وفق رؤية غير وطنية, يستثمر أصحابها اللحظة لتمرير هذه العملية.
المطلوب إصلاح شامل
وعلاج هذا الخلل الخطير في تركيبة الدولة الأردنية, لن يتم إلا إذا تمت إعادة النظر في آليات تشكيل الحكومات في بلدنا. ابتداء من اختيار رئيس الوزراء, وأسس اختيار الوزراء, ومواصفاتهم ومسؤولياتهم, وآلية هذا الاختيار, وصولاً إلى آلية منح الثقة بالحكومة, والنسبة التي يجب ان تحصل عليها من أصوات النواب, المنتخبين انتخاباً حراً ونزيهاً, تعبر عن حقيقة إرادة الأردنيين, التي تم تزويرها واغتصابها في السنوات الأخيرة, ومن ثم إعطاء الحكومة الوقت الكافي لتنفيذ برامجها. فمن أسباب ما نحن فيه كثرة وسرعة تغير الحكومات. على أن يتم ذلك في إطار عملية إصلاح سياسي شامل. تبدأ من معالجة الاختلالات الناتجة عن حرمان المجتمع الأردني من التطور السياسي الطبيعي وحرمانه من انضاج تجربته وفكره السياسي وتجسيدهما في مؤسسات مستقرة, خاصة على الصعيد الحزبي. وقبل ذلك لا بد من تحرير إرادة الأردنيين, وتركهم يختارون ممثلهم, والتوقف عن كل شكل من أشكال اغتصاب هذه الإرادة وتزويرها. وهذا يحتاج إلى وضع قانون ونظام انتخابيين, من شأنهما صهر الأردنيين في بوتقة وطنية واحدة, بدلاً من القوانين التي شرذمتهم شذر مذر, ونمت بينهم العصبيات الضيقة. وحالت دون بروز قادة وممثلين حقيقيين للأردنيين, يعبرون عن طموحاتهم, ويدافعون عن حقوقهم. فهذه هي الخطوة الأولى للوصول إلى مجلس نواب قادر على فرز حكومة نيابية, قادر على مراقبتها, قادر على محاسبتها, رافضٍ للاستسلام لها. كل ذلك في إطار احترام الدستور والاحتكام إليه, خاصة في العلاقة بين السلطات الثلاث. ومن ثم عدم اتخاذ أي قرار خارج القنوات الدستورية, وصلاحيات السلطات الثلاث. على ان تجري تنقية الدستور, من كل الشوائب التي علقت به, عبر مراجعة وطنية شاملة لمواده, بهدف تطويره ليتماشى مع تطلعات وطموحات الأردنيين, وتوقهم لبناء دولة عصرية. تقوم على مبدأ العدالة في كل المجالات, خاصة على صعيد الحريات العامة وتوزيع الثروة, عبر توزيع المشاريع, وعبر عدالة التوظيف, والعدالة في توزيع فرص التعليم خاصة الجامعي, كل ذلك على أساس مبدأ تكافؤ الفرص.
وإذا كانت الحكومات الأردنية, في السنوات الأخيرة قد تكونت من أشخاص ضعفاء في غالبيتهم, فقد زاد من خطورة توليهم لمقاليد الأمور, أن جلهم لا يمتلكون فكراً إصلاحياً, ولا رؤية شمولية, لما يجب ان تكون عليه صورة الدولة الأردنية. ومما زاد في خطورة الأمر أيضاً, ان جل الحديث عن الإصلاح والجهود التي قيل انها تبذل لتحقيقه, قد انحصرت في الجانب السياسي, وعلى جزئية التشريع من هذا الجانب, علماً بأن الأمر ليس أمر تشريعات ونصوص. بدليل وجود منظومة تشريعية متكاملة لمنع الفساد ومحاربته ومعها مجموعة من أجهزة الرقابة ومحاربة الفساد ومع ذلك زاد الفساد استشراء في بلدنا. وبدليل الكم الهائل من التشريعات, التي صدرت في بلدنا خلال السنوات الأخيرة, سواء على صعيد قوانين الانتخابات أو الإعلام أو الأحزاب, لكن الأمور كانت تزداد سوءاً على سوء, لأن ما هو أهم من التشريعات, هو توفر إرادة الإصلاح أولاً. ومن ثم نفاذ التشريع, فألاهم من النص هو احترامه, والتقيد بمضمونه. وهو الأمر الغائب في بلدنا. فالشواهد كثيرة على غياب إرادة الإصلاح الحقيقي, وعلى عدم احترام نصوص الدستور والقوانين وتجاوزها. مما ولد اختلالاً في العلاقة بين السلطات, تغولت فيها السلطة التنفيذية على ما سواها. مما صار مسلمة من مسلمات الحياة في الأردن. الأمر الذي لا يجوز معه اختزال الإصلاح في مجموعة قوانين, ثم تبديلها وتعديلها مرات عديدة في السنوات الأخيرة, دون ان يقودنا ذلك إلى الأفضل لأن الإصلاح الحقيقي, يحتاج إلى رؤية ثقافية وفكرية واجتماعية وإدارية, ليكون إصلاحاً شاملاً وجذرياً.
وإذا كان عدم احترام الدستور, قد ولد اختلالاً في العلاقة بين السلطات, فإن عدم احترام القانون, قد ولد اختلالات كبرى في العلاقة بين المواطن والدولة. وصار الظلم والفساد سمة من سمات هذه العلاقة. لذلك صار من المحتّم, أن يسعى الأردنيون إلى خلق هيئة شعبية مستقلة نافذة وقادرة ودائمة, لمراقبة أداء السلطات. والحفاظ على حقوق الشعب الأردني, ولمنع الانقلاب على مسيرة الإصلاح وعلى حقوق الأردنيين.
مرتكزات وأسس الإصلاح
ولأن الفساد في الأردن, صار فسادا سياسياً واقتصادياً وإدارياً واجتماعياً, ضرب أسس الدولة وهويتها, ودورها والعلاقة بين سلطاتها ومواطنيها, فقد صار من المحتّم أن يكون الإصلاح شاملاً للدولة الأردنية, وقبل ذلك هويتها ودورها. من خلال رؤية شاملة, مرتكزة على فلسفة فكرية وتربوية وسياسية واجتماعية واقتصادية واضحة. بعيداً عن الحلول المجتزأة. وحتى يتم ذلك فلا بد من تأكيد الحقائق التالية كأسس للإصلاح:
أولاً: إن الشعب الأردني هو الشعب السيد. وانه مصدر السلطات. وان كل المواقع مهما عَلَتْ, إنما وجدت لخدمته, وتحقيق تطلعاته وأمنياته. وان مشاركة الأردنيين في رسم سياسات بلدهم, وتنفيذها ليست منحة من أحد. وإنما هي حق من حقوقهم الأساسية, التي عليهم الدفاع عنها أمام كل من يحاول سلبها.
ثانياً: ان الدولة الأردنية الحديثة قامت كدولة دور ورسالة. وان هذا الدور وهذه الرسالة, هما مصدر قوتها, التي لا بد من استعادته, بعد أن حاول بعض الذين تسللوا إلى مواقع القرار, من رجال المال والأعمال تغييب هذه الحقيقة, خدمة لطموحاتهم الخاصة, ولتنمية ثرواتهم الشخصية على حساب إفقار الوطن والمواطن ومن ثم إضعافهما.
ثالثاً: إن الأردن جزء لا يتجزأ من أمته العربية والإسلامية. وقد قامت دولته الحديثة في ضمائر الأردنيين وخطابهم وتوجهاتهم, على أساس انها قاعدة لمقاومة المشروع الصهيوني, وامتداداته وتطلعاته. على هذا أجمع الأردنيون, في كل مؤتمراتهم الوطنية, وأدبياتهم السياسية. وسعوْا إلى إعداد بلدهم ليكون رأس رمح أمتهم في مقاومة المشروع الصهيوني, وتحرير فلسطين. ولعل أوضح من عبر عن ذلك في العقود الأخيرة الشهيد وصفي التل. عندما أصرَّ على أن الأردن هو قاعدة تحرير فلسطين. وانه لا بد من تسخير كل إمكانيات الأردن لمعركة التحرير. مع التأكيد على رفض الحلول السلمية. وبناء على ذلك رفض الأردنيون, وما زالوا يرفضون اتفاقية وادي عربه, وكل نتائجها وإفرازاتها. ونعتقد ان أي توجه جاد للإصلاح لا بد من ان يأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار. من خلال العمل على إعادة بناء الأردن والمجتمع الأردني, على أنه مجتمع عربي مقاوم. لا بد من تحصينه ضد المخطط الصهيوني. ومن ثم لا بد من إعداد الشعب الأردني كشعب مقاوم قادر على حمل السلاح, للدفاع عن أرضه. وأول ذلك إعادة العمل بنظام خدمة العلم, بعيداً عن كل الحسابات الاقتصادية. لأن خدمة العلم حصانة لشباب الوطن, وتوظيفٌ لإمكاناتهم وطاقاتهم. كما ان خدمة العلم قناة أساسية من قنوات بلورة الهوية, وزرع روح الانتماء, ورفد قواتنا المسلحة بالكفاءات البشرية. كما انها خطوة على طريق بناء الشعب المسلح, القادر على الدفاع عن نفسه, وأمته ووطنه. خاصة مع استمرار التهديدات الإسرائيلية المتواصلة للأردن, بل وتصاعدها في ظل اتفاقية وادي عربة. آخذين بعين الاعتبار الموقع الجغرافي للأردن. ووقوعه بين احتلالين, وعلى بوابة الجزيرة والخليج, ولذلك فلا يجوز ان يكون السلام خيار الأردن الاستراتيجي. مما يفرض أولاً بقاء الإرادة الوطنية حرة من التبعية والهيمنة والضغوط مع وقف كل محاولات التطبيع مع العدو الصهيوني, وكل محاولات الاختراق الإسرائيلي للأردن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. والعمل على استعادة الأردن لأدواره على صعيد قضية فلسطين, كصانع موقف لا كتابع. ورفض أي حل أو تطور على صعيد قضية فلسطين, لا يكون الأردن طرفا رئيسيا فيه. باعتبار ان كل تطور يحدث على صعيد فلسطين وقضيتها, يمس بصورة مباشرة ومؤثرة الأردن والأردنيين. مع ضرورة معالجة التأثيرات السلبية للجغرافيا السياسية للأردن, وتدخلات الجوار, وتأثير ذلك على البناء والولاء السياسيين في الأردن, خاصة في ظل قبول الدولة الأردنية وحكوماتها الضعيفة بنصف الولاء, ونصف الانتماء اللذين تمارسهما بعض القوى السياسية وبعض السياسيين. وهي سياسة يجب أن تتوقف الحكومات الأردنية عن ممارستها لما لها من آثار خطيرة. آخذين بعين الاعتبار, ان الولاء الحقيقي هو الولاء القائم على أساس الوعي, لا عبر تزييف الوعي. كما أن الولاء الحقيقي والصادق لا يعني الموافقة الدائمة والتأييد الدائم. ففي كثير من الأحيان يكون الاختلاف في الرأي أكثر إخلاصا, والمعارضة اشد ولاء. فالموافقة الدائمة والتأييد الدائم من سمات النفاق. واشد خطر على الدولة هو النفاق والمنافقون.
وانطلاقا من الإيمان بأن الأردن هو جزء لا يتجزأ من أمته فلا بد من عملية إصلاح جذرية للدبلوماسية الأردنية, ليس على مستوى إعادة هيكلتها, وإعادة النظر في أسس التعيين بها, أو أسس عملها. ولكن في أسلوب عملها ودورها ورسالتها. وقبل ذلك كله, أن يتم رسم دورها ومهامها, ومتابعة تطبيق أداء دورها ومهمتها من قبل مجلس السياسات الذي نقترح إنشاءه. وان يكون مجلس الأمة المنتخب بإرادة حرة, شريكا أساسياً في رسم السياسة الخارجية الأردنية, وتنفيذها. وتحديد المواقف الأردنية من كافة القضايا العربية والإقليمية والدولية. ومن ثم مراقبة تنفيذها مراقبة حقيقية وصارمة.
رابعاً: لقد أسس الأردنيون دولتهم الحديثة على انه قاعدة لوحدة الأمة. والعمل في سبيل تحقيق هذه الوحدة. لذلك لا بد من ان تنطلق عملية الإصلاح من هذه القاعدة, والعمل على أساس ان العروبة والإسلام, هما عمق الأردن وهويته. وان أي تكامل اقتصادي أو سياسي للأردن يجب ان يبنى على هذا الأساس. مع رفض مطلق, لأي تكامل أو تنسيق أو تعاون, مع العدو الإسرائيلي, ورفض ان يكون الأردن معبراً للتغلغل الاقتصادي الإسرائيلي, في الوطن العربي والعالم الإسلامي. كذلك رفض كل مساعي تغريب المجتمع الأردني, ابتداء من لغته العربية التي تتعرض في بلدنا, للإهانة والإهمال الواضحين. وصولاً إلى كل مظاهر الحياة التي يسعى البعض في بلدنا إلى صبغها بالصبغة الغربية الخالصة. في إطار مخطط مدروس, لخلع الأردن والأردنيين من عمقهم العربي والإسلامي. لذلك فإن أية عملية إصلاح, لا بد من ان تنطلق من التأكيد على العمق العربي الإسلامي للأردن, حضارة وانتماء وتحالفا. وترسيخ الهوية السياسية والاجتماعية والاقتصادية, وقبلها كلها الهوية الفكرية والثقافية للدولة الأردنية. وتأكيد مرجعياتنا الفكرية والفلسفية التي تبنى عليها الهوية الحضارية لدولتنا وشعبنا, وتجسيد ذلك بتوحيد المرجعيات في إطار الدولة الأردنية في كل المجالات, خاصة العمل السياسي والاجتماعي والثقافي والإعلامي. فمن مظاهر الفساد في بلدنا, تعدد المرجعيات, داخل كل قطاع, مما سبب شرذمة وتضارباً وازدواجيةً في الجهود والمسارات على أساس العمق العربي والإسلامي, حتى لا نظل كالمعلقين في الهواء, كما هو حالنا في السنوات الأخيرة عندما تم العبث في أسس الدولة ومرجعياتها وهويتها الفكرية والحضارية.
وكجزء رئيس من هوية الدولة لا بد من تثبيت هويتها السكانية. وحماية هذه الهوية من كل عبث. مع ضرورة معالجة الخلل في النمو السكاني في الأردن, والذي نتج عن هجرات سكانية متلاحقة إلى الأردن جراء الأزمات التي مرت بها المنطقة, والتي أحدثت جميعها خللاً في النمو الطبيعي للسكان. وانسجامهم الاجتماعي والثقافي والسياسي, خاصة وأن هذه الهجرات حملت للأردن, مجموعات سكانية متعددة الولاءات السياسية والقناعات الاجتماعية. وقد زاد من تأثير هذه الهجرات, التراخي في ضبط عمليات التجنيس ومنح الجنسية الأردنية. لذلك فإن من المُلِحّ أن تتوقف الحكومات عن منح الجنسية الأردنية, لأي كان وتحت أي ظرف كان, حفاظاً على الهوية السكانية للأردن.
ومع تأكيد الهوية والمرجعية الفكرية للدولة كأساس للإصلاح, لا بد من أن نحدد للدولة الأردنية نموذجا, يشكل مقياسا ومرجعية, يتم الاحتكام إليها سياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً, منعا للاجتهادات الفردية المنفلتة. وحسما لأي خلاف يحدث حتى بين مكونات القطاع الواحد. فمن الملاحظ ان مذاهب عدة ومدارس متباينة تتجاذب الدولة الأردنية في المجالات كافة. مما أبقى الدولة أسيرة لاجتهادات الأفراد, الذين يشغلون المناصب العليا. وهو أمر فوق انه يحرم الدولة من تراكم التجربة والخبرة والبناء المتصاعد, فانه يسهل اختراقها, والعبث بهويتها ومكوناتها وسلطاتها. كما لمسنا في السنوات الأخيرة. حيث أدت هشاشة الدولة, إلى تمكين مجموعة محدودة من الأشخاص, وأحياناً شخص واحد, من الطارئين, الذين مكنتهم ظروف طارئة من الوصول إلى مواقع القرار, من العبث بهيكلة الدولة وهويتها وصلاحيات سلطاتها. وهو أمر سيتكرر ما دام الحال على ما هو عليه. ويزيد من خطورته, إذا وقع الاجتهاد من أشخاص غير مأموني الولاء ممن تتاح لهم فرصة الوصول إلى مواقع القرار.
إن تحديد هوية الدولة ومرجعيتها ونموذجها, لا بد من ان ينعكس في خطاب موحد للدولة. يجسد في مفرداته ومصطلحاته الثوابت الوطنية, وينقلها إلى الآخرين بوضوح, وهذا يستدعي الاتفاق على معاني المصطلحات ودلالاتها. وخاصة مصطلح "الفساد" ومصطلح "الشفافية" أو مصطلح "المعاصرة" ومصطلح "الحرية" و"الديمقراطية ومصطلح "الولاء". فعدم الاتفاق على معاني ودلالات المصطلحات يؤدي إلى حالة من الفوضى التي تضرب أسس الاستقرار والثوابت الوطنية وتُستخدم لاختراق الأمن الوطني الشامل.
وإذا كان من المهم تحديد المصطلح ودلالاته, فإن من المهم أيضاً ان يستند خطاب الدولة إلى فكر وطني, مُستمد من ثوابت الأمة, وعقيدتها ومصالحها العليا. مؤكداً للثوابت الوطنية في كل المجالات سياسياً واقتصادياً. بحيث يكون هذا الفكر هو مرجعية الجميع. ولا بد من تجسيد هذا الفكر في هوية وطنية أردنية معتدلة, تثير في المواطن الأردني الإحساس بالانتماء للوطن والأمة والدفاع عنهما. مع التأكيد على ان الخصوصية الوطنية لا تتناقض مع الانتماء القومي للعرب والحضاري للإسلام.
إن الوصول إلى الخطاب الموحد للدولة, يضمن التنسيق والتناغم, بين كافة مكوناتها. بحيث لا يظهر أي تباين في المواقف والسياسات كما صرنا نلمس في السنوات الأخيرة. وهذا يحتاج إلى بناء عقل جمعي للدولة الأردنية يتولى صياغة كافة سياساتها, والتنسيق بين أجهزتها, وضبط إيقاع هذه الأجهزة. لذلك فإن من أهم أدوات الإصلاح إيجاد مجلس أعلى للسياسات. يجمع نخبة من أهل الثقة والاختصاص والتجربة في المجالات كافة. ممن يتمتعون بمصداقية لدى الناس. على أن يعمل هذا المجلس بشكل مؤسسي, تكون مهمته صياغة السياسات والتنسيق بينها, ومراقبة تنفيذها. منعا لأي خروج عنها, يفقد الدولة وحدة تفكيرها وتصورها وأدائها, كما هو واقع الحال الآن. ويجب أن تكون أول مهمات هذا المجلس, تحديد أهداف واضحة لكل قطاع من قطاعات الدولة. ووضع آليات لتحقيقها ومتابعة ذلك, خاصة في القطاعات التي تتعلق بحياة المواطنين اليومية, مثل قطاعات الخدمات والاقتصاد, منعا للفساد, المسبب للاحتقانات التي تؤدي إلى القلاقل المهددة للأمن.
خامساً: التأكيد على أهداف الآباء المؤسسين للدولة الأردنية, من رموز العمل الوطني الأردني وفهمهم لدور الدولة الأردنية الحديثة وطبيعتها. من خلال مراجعة أدبياتهم, وقرارات المؤتمرات الوطنية, وأدبيات الحركة الوطنية الأردنية وبياناتها ومذكراتها, المقدمة للقصر والحكومة والبرلمان. فقد جرى انحراف كبير, خاصة خلال السنوات الأخيرة عن القواعد والأسس التي قامت عليها الدولة الأردنية الحديثة, في ضمير وتصور وجهد أبناء شعبها, الذين نظروا إليها على انها قاعدة وحدة وتحرير. وهو الانحراف الذي لا بد من تصحيحه, في أي عملية إصلاح حقيقي تجري في البلاد.
إن التأكيد على مطالب الآباء المؤسسين, يعني أيضاً الاحتكام إلى تجربتنا الوطنية وعدم استيراد النماذج سواء في الحكم أو المعارضة المطلوب منها التخلص من المزايدة في خطابها.
كما يعني التأكيد على مطالب الآباء المؤسسين الحفاظ على العصبيات, التي قامت عليها الدولة الأردنية. وأولها عصبية الدور والرسالة وثانيها عصبية العشيرة, كوحدة اجتماعية ذات دور سياسي. خاصة بعد أن تعرضت الحمائل والعشائر والقبائل الأردنية, في السنوات الأخيرة إلى حملة ظالمة من التشويه والتهميش وإنكار الدور, بهدف إضعافها. في إطار السعي لإضعاف الدولة الأردنية. وعليه فإن المطلوب, احترام الحمائل والعشائر والقبائل الأردنية, ودورها التاريخي في بناء الدولة, وحمايتها, ووقف كل ما من شأنه الإساءة لهذه العشائر. سواء بالإعلام أو بتجاهل زعامتها الحقيقية, والسعي إلى خلق زعامات بديلة. أي وقف كل محاولات العبث بعشائرنا ومحاولات تمزيقها وإضعافها. لأن في ذلك إضعافاً للبنية الاجتماعية للدولة, خاصة طبقتها الوسطى, التي رفدت مسيرة الدولة بكل القيادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية. ويزيد من خطورة إضعاف العشيرة كمؤسسة اجتماعية عدم تطوير بُنى اجتماعية بديلة في الأردن. غير أن المطلوب من عشائرنا أيضاً ان تعود إلى التمسك بأخلاقها وعاداتها وقيمها الحميدة. وأن تردع الخارجين من أبنائها على هذه الأخلاق والعادات والقيم.
تأطير الأردنيين
كذلك لا بد من تأطير الأردنيين كافة, في أطر سياسية أهلية حديثة, وقادرة. من خلال إزالة كل العقبات أمام الحياة الحزبية. واستبدال ذلك بحوافز على العمل العام, ومنه العمل الحزبي. لأن من باب المسؤولية الشخصية التي تقع على كاهل كل أردني أن يكون جزءاً من منظومة العمل العام, حزبا أو جمعية, لأن الحكومات استقوت على الأردنيين, عندما لم تعد الأطر توحدهم, سواء كانت هذه الأطر عشائر أو أحزاباً أو جمعيات. بل لقد سعت الحكومات المتعاقبة إلى إضعاف المكون الوحيد من مكونات المجتمع الأهلي الأردني, الذي ظل محافظاً على تماسكه واستقلاليته. أعني النقابات المهنية التي لا بد من المحافظة عليها وحمايتها, كمكون أساس من مكونات المجتمع الديمقراطي.
إن قيام حياة حزبية حقيقية وفاعلة في الأردن, تنشأ الأحزاب فيها على أسس فكرية, تتجسد في خطط عمل, تُحرر الحياة الحزبية الأردنية من مفهوم أحزاب البرامج التي تقوم بدون رابط فكري, مما يؤدي إلى سرعة انهيارها. وأن تكون الحياة الحزبية جزءاً من مجتمع مدني أهلي وطني محصن, فوق انه من شروط الدولة الحديثة, فانه من أهم دعائم الديمقراطية وأدواتها الرقابية, على سلطات الدولة. منعا للفساد, الذي هو العدو الأول للدولة العادلة التي نسعى إليها. وحتى يتم هذا الشرط, فلا بد من تحصين المجتمع المدني الأردني, ضد كل محاولات الاختراق, وخاصة التمويل الأجنبي الذي نجح في السنوات الأخيرة, في السيطرة على جزء كبير من المجتمع الأهلي الأردني, ووظفه لخدمة أجندات غير وطنية, ساهمت مساهمة كبيرة في خلخلة منظومة القيم, وإضعاف الدولة وهيبتها, وأثرت على أدوارها. مما يستدعي سرعة إعادة تنظيم المجتمع المدني على أسس وطنية.
أن هذا كله يستدعي التوقف عن سياسة تصنيع البدلاء, والنفخ في هؤلاء البدلاء. سواء في مجال الأحزاب, حيث دأبت الحكومات على السعي لصناعة بعض الأحزاب, والنفخ فيها. حتى إذا جاءت حكومة جديدة انقضّت على الحزب المصنوع فزادته ضعفاً على ضعف. وهو الأمر الذي حدث أيضاً في حياتنا النيابية. حين كان يجري تصنيع نوابٍ وفرضهم على شعبنا, عبر التلاعب بالانتخابات وتزويرها. وهو الأمر الذي حدث أيضاً على الصعيد العشائري. عندما لجأت الدولة إلى تصنيع شيوخ وزعماء موهومين لعشائرنا. بهدف إضعاف شيوخها وزعمائها الحقيقيين. فقد قادت سياسة تصنيع البدلاء هذه, إلى تخريب حياتنا السياسية والاجتماعية, وفسادها وإضعافها. لذلك صار من الشروط الأساسية للإصلاح, التوقف عن سياسة تصنيع البدلاء.
وفي إطار الحديث عن عصبيات الدولة الأردنية. فلا بد من التأكيد على أهمية القوات المسلحة الأردنية, والمفهوم والشعار الذي أسست عليها باعتبارها الجيش العربي المصطفوي. بكل ما يعنيه هذا المصطلح من دلالات, على الدور والرسالة, التي يضطلع بها هذا الجيش, الذي نريده رأس حربة في الدفاع عن قضايا الأمة وحقوقها, وتحرير أرضها عبر تزويده بكل ما يحتاج إليه من أسلحة في طليعتها شبكة صاروخية قادرة. كل ذلك في إطار المحافظة على عقيدته العسكرية والفكرية. وما ينطبق على القوات المسلحة ينسحب على الأجهزة الأمنية التي يجب ان يكون دورها خدمة المواطن وحمايته في ظل سيادة القانون, الذي هو هدف الإصلاح الحقيقي الذي ننشده.
ويقودنا الحديث عن عصبيات الدولة, إلى ضرورة استعادة الدولة الأردنية, لأدواتها الحقيقية في النهوض والإصلاح وأولها: الرجال البناة الثقاة, آخذين بعين الاعتبار, ان أهم ما يجب ان يمتاز به, من يتولى المنصب العام, هو امتلاك الرؤية والقدرة على تحويل هذه الرؤية, إلى واقع. على أن يتلازم ذلك, مع نظافة اليد والفرج, وعفة اللسان والسلوك. وثانيها: التشريع النافذ المحترم. وثالثها: الإدارة الديناميكية الفاعلة المحصنة ضد الفساد. ورابعها: احترام تقاليد الدولة والحكم. وخامسها: الإعلام الذي يعكس توجهات الدولة وفق رؤية واضحة وناضجة.
العلاقة بين المواطن والدولة
إن من أهم قواعد الإصلاح المنشود هو تحديد طبيعة العلاقة بين المواطن والدولة. وهل هي علاقة أبوية رعوية, تقوم على المنح والعطايا؟ أم علاقة مؤسسية يحكمها الحق والواجب في إطار الدستور والقانون؟ من هنا لا بد من التوقف عن سياسة المكارم والأعطيات, والمساعدات العينية المباشرة في بلدنا. واستبدالها بسياسة تشجيع الإنتاج, في إطار خطة وطنية شاملة للتنمية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. حفظاً لكرامة المواطن الأردني في كل جوانب حياته, خاصة عند مراجعته لدوائر الدولة ومؤسساتها. وقبل ذلك ترسيخ مفهوم المواطنة, ورفض فكرة المحاصصة. وبناء مجتمع العدل والمساواة عبر توفير كل المتطلبات الأساسية للحياة الكريمة لكل أردني, وأولها حماية حقه في حرية الرأي عبر تعدد المنابر, ومنع احتكار أدوات التعبير عن الرأي وإعلانه, وإعطاء المنابر المتعددة حق إبداء الرأي الموضوعي في سياسات وأداء الحكومات بحرية في إطار الولاء للوطن, وقبل ذلك عدم مصادرة إرادة المواطن, وان يكون الحَكَم بين الأردني ودولته هو الدستور والقانون. من هنا ضرورة التأكيد على احترام القوانين نصا وروحاً. وعدم السماح بتجاوزها. فالمراقب يستطيع الاكتشاف بسهولة ان نسبة عالية من مشاكلنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية سببها عدم الاحتكام إلى القانون, بصور شتى. منها استقواء بعض المتنفذين على القانون, ومنها مجاملة المسؤولين لمحاسيبهم في كثير من الأحيان على حساب القانون. ومنها الجهل بأحكام القانون عند الموظف والمواطن. وهذا يستدعي رفع سوية الثقافة القانونية عند الطرفين, عبر عملية تثقيف مستمرة, خاصة لموظفي الدولة. مع تفعيل سياسة الثواب والعقاب, لردع كل متجاوز على القانون. مع التأكيد على مفهوم المساواة بين كل الأردنيين أمام القانون. وفي الحقوق والواجبات. ترسيخا لمبدأ تكافؤ الفرص, مما سيحول كل مواطن إلى خفير لأنه متضرر من أي خلل في الأمن, ولأنه شريك في التنمية السياسية والإدارية ومستفيد منها وهو الأمر الغائب الآن.
كما أن سيادة القانون, يجب أن تكون هي المعيار الوحيد للعلاقة بين الدولة والمواطن, منعاً لأي ابتزاز للدولة قد تسعى جهة ما لممارسته. فالدولة وان كانت مكلفة باحترام كرامة المواطن, وتأمين عفافه, لكن من غير الجائز لها ان تخضع لابتزاز أي قوة سياسية أو اجتماعية من مكوناتها.
وإذا كانت سيادة القانون, هي التي يجب ان تكون معيار العلاقة بين المواطن والدولة, فإن المكاشفة والمصارحة, يجب ان تكون قاعدة التعامل بينهما. فعلى الدولة ان تصارح الأردنيين بحقيقة واقعهم الاقتصادي والسياسي والعسكري من خلال قاعدة معلومات حقيقية وصريحة, حول كل مشاكلنا, ومنها البطالة والفقر والمديونية. حتى لا يعيش أحد منهم في الأوهام, كما هو الحال الآن, نتيجة لغياب الشفافية والمصارحة, وتغييب المعلومات عن حقيقة أوضاعنا السياسية والاقتصادية على وجه الخصوص. وعلاج هذا الأمر يتطلب تفعيل التواصل والحوار الجاد والمنظم والصريح, بين الدولة ومواطنيها. وفق آلية تراعي خصوصية الشعب الأردني ونمط تفكيره وهو الأمر غير المتوفر حتى هذه الساعة.
إصلاح منظومة القيم
إن قيام العلاقة بين الأردنيين ودولتهم, على مبدأ المصارحة والشفافية هو طريقنا للخروج من حالة الاتهام والتشنج التي نعيشها, إلى حالة الثقة والحوار والتعقل. وهو الذي يخرجنا من تبني الآراء والمواقف على أساس الانطباع الخاطئ القائم على الإشاعة, إلى بناء الرأي والموقف, على أساس المعلومة الموثقة. فنخرج من حالة الصخب والضجيج, التي تجعل شرائح واسعة "تهرف بما لا تعرف" مما يفرض حالة من البلبلة, وفقدان الثقة بين مكونات الدولة. تغذي حالة التبرم والشكوى والتقاعس والاتكالية ونقص الإنتاجية, التي تفشّت في المجتمع الأردني. مما يعيق عملية الإصلاح المنشود لإنهاء الفساد, الذي ينخر في بنيان الدولة الأردنية. مع ضرورة الانتباه إلى ان الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري, الذي نعاني منه ما هو إلا مظهر وإفراز من إفرازات الفساد القيمي, عند الفرد وفي المجتمع. الذي نجم عن عملية تدمير منظمة للمنظومة القيمية لدى الإنسان الأردني. وهو التدمير الذي استهدف تفريغ هذا الإنسان من كل القيم السامية, والأهداف والتطلعات الكبرى, والمنظومة الأخلاقية التي كان يتميز بها. وتحويله إلى مجرد أداة, أو كائن مهمش, لا هم له ولا هدف إلا ملء معدته. ولعل هذا ما يفسر التركيز في الاحتجاجات التي شهدها بلدنا على المطالب الفردية والفئوية, دون مراعاة المصالح العليا للوطن. بسبب ما تعانيه شرائح واسعة من الأردنيين من تفكك إنساني, وخفوت في العواطف الإنسانية. وسيطرة المادة حتى على العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة. وبروز للفردية وقيمها, على حساب الجماعة وقيمها. ومن ثم تقديم المصلحة الشخصية, على المصلحة العامة, نتيجة للعلاقات المرضية التي انتشرت في المجتمع الأردني. وأبرزها الكذب, والنفاق, والارتزاق, وربط قيمة الإنسان بالمنصب الذي يشغله, أو المال الذي يملكه, بغض النظر عن مصدره. ولعل هذا ما يفسر لنا ما يعانيه المجتمع الأردني, من بروز ظاهرة التبرم والشكوى المصحوبة بالتقاعس والاتكالية, والاعتماد على الوسائل الملتوية وفي طليعتها الرشوة والمحسوبية. ذلك ان منظومة القيم هي التي تحدد نمط السلوك السياسي والاجتماعي والاقتصادي. لذلك فإن القاعدة الأساسية, التي يجب أن تبنى عليها عملية الإصلاح الشامل لبلدنا ومجتمعنا, يجب أن تنطلق من إعادة بناء منظومتنا القيمية الأخلاقية. وأول خطوة لتحقيق ذلك, العمل بسرعة على وقف الانهيار الأخلاقي في المجتمع الأردني. ومنع أدواته, التي صارت تنتشر في المجتمع الأردني انتشاراً سرطانياً. سواء عبر النوادي الليلية ومراكز المساج التي صارت ستاراً للدعارة والاتجار بالبشر مروراً بالدعوات إلى المثلية وعبادة الشيطان, كذلك عبر العديد من وسائل الإعلام التي تسخر لهذه الغاية وصولاً إلى إصلاح واقع التعليم في بلدنا. الذي يشهد خراباً كبيراً, ليس على صعيد غياب المرافق التي تخلق أجواء تعليمية صحية, سواء في الجامعات أو المدارس. بل وعلى صعيد المناهج المدرسية ا لتي لم يعد خطرها مقتصراً على اعتماد مبدأ الحشو والتلقين. بل ان الخطر الحقيقي يكمن في هذا التباين بالمناهج بين المدارس في بلدنا. وعلى وجه الخصوص المدارس الخاصة, وعلى وجه اخص المدارس الأجنبية بمناهجها المختلفة تماماً عن سائر مناهج مدارسنا والبعيدة عن أي رقابة. وهذا التفاوت في مناهج التعليم في الأردن, يحول الأردنيين إلى مجموعات سكانية تعيش في جزر معزولة عن بعضها. تحول بينها حواجز من المفاهيم والقيم والعادات والتقاليد. حيث ينعكس هذا كله شرذمة في الثقافة الوطنية. وتبايناً في المواقف من القضايا الوطنية والقومية. وفي هذا خطر اكيد على سلامة الدولة وتماسك بنيانها.
لقد صار الأردن يعيش حالة من التمزق بين خليط من القيم. نتيجة لتعدد مناهج التعليم في بلدنا. لذلك فإن توحيد المناهج التعليمية ضرورة ملحة لضمان وحدة الهوية الثقافية والسلوكية والحضارية للأردن والأردنيين. وهو أمر يستدعي إجراءات حاسمة, لوقف التدهور في مخرجات التعليم. ليس في مجال احتياجات السوق, بل في مجال منظومة القيم والمفاهيم والسلوك. وما يشكله ذلك من خطر على وحدة الدولة والمجتمع. جراء غياب المنهج التربوي التعليمي المتكامل في بلدنا. مذكرين بأن الأوطان تؤخذ أولاً من عقول أبنائها قبل أن تؤخذ بسيوف أعدائها. لذلك فإن إصلاح التعليم من وجهة نظر وطنية عربية إسلامية صار ضرورة ملحة. ليس هذا مجال التفصيل فيها.
إن أي عملية إصلاح حقيقي في الأردن, لا بد من أن تجعل المنظومة القيمية أولويتها الأولى. وان توليها اهتماماً كبيراً ومميزاً وجاداً, لأنها تتعلق ببناء جوهر الإنسان ونظرته للحياة وسلوكه وعلاقته بالآخر, وقبل ذلك كله موقفه من مختلف القضايا, التي يمر بها وطنه وأمته.
إن الاهتمام بمنظومة القيم تتطلب منا الاهتمام بأدوات بناء هذه المنظومة. وأولها وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والأوقاف والثقافة. وأن يكون بين هذه الوزارات ليس عملية تنسيق فحسب, بل وتكامل مطلق. خاصة على صعيد المفاهيم والمضامين التي نريد تربية الإنسان الأردني عليها وبناء قناعاته على أساسها. غير ان الملاحظ اننا في الأردن نولي اهتماماً كبيراً بالوسائل, ولا نهتم بالمضامين. من ذلك اننا نكثر الحديث عن وسائل الإعلام, ولا نهتم بالمضامين والرسائل التي يجب ان تنقلها هذه الوسائل. كما ان من الاختلالات الكبرى في حياتنا, هذا الإهمال الخطير للثقافة في بلدنا. والذي يتجسد في الإهمال الواضح لوزارة الثقافة. سواء من حيث استمرارها أو اختفائها. ومن حيث أهميتها في تركيبة الدولة. أو من حيث توفير الإمكانيات التي تعينها على أداء دورها. وهو الأمر الذي ينسحب تماماً على وزارة الأوقاف رغم خطورة الرسالة المناطة بها. والتي لا يتناسب واقعها وواقع العاملين بها, على خطورة دورها. لذلك فإن أي إصلاح حقيقي في البلاد لا بد من أن يولي منظومة بناء القيم اهتماماً خاصاً وكبيراً. خاصة وزارات الأوقاف والتعليم والثقافة. لأنها هي التي تبني الإنسان القادر على بناء الوطن وحمايته. لذلك فإن عملية الإصلاح يجب أن تسعى إلى وضع سياسة تربوية تعليمية ثقافية وعظية إعلامية لبلدنا متكاملة ومتناسقة.
وفي إطار الحديث عن ضرورة وأهمية منظومة القيم, يبرز الحديث عن اللغة العربية, وضرورة احترامها والاهتمام بها, وإعادة النظر في أساليب تدريسها. فقد صرنا نلاحظ إهمالا شديداً للغتنا في دوائرنا الرسمية, وفي شوارعنا, وفي خطابنا اليومي, وقبل ذلك في مدارسنا وجامعاتنا. وفي هذا خطر حقيقي على وحدة المجتمع وقيمه, وهوية الدولة وبنيانها لا بد من التصدي له. وأول ذلك: منع أي مؤسسة مدرسة كانت أم معهداً, أم جمعية, أم نادياً, ان يعلم في مدارسه, أو ان يتحدث في تجمعاته, بغير اللغة العربية إلا وفق مناهج وزارة التربية والتعليم الأردنية.
إن إصلاح منظومة القيم في بلدنا, ضرورة لوقف موجة النفاق والمنافقين. التي انتشرت في بلدنا, وصارت من أهم أسباب الفساد ومظاهره. وسد المنافذ أمامهم للوصول إلى منابر الرأي. كما ان إصلاح منظومة القيم, سيعيد إلى مجتمعنا مجموعة التقاليد الراقية, المتمثلة باحترام الكبير, ورحمة الصغير, والتكافل بين أبناء المجتمع. من خلال ثقافة العفاف و"العونة" والتكافل والبركة, والأكل من كد اليد, فنتخلص من ثقافة العيب التي صارت سبباً من أسباب البطالة بين شبابنا. كما ان إصلاح منظومة القيم تجعلنا نحترم أهل الاختصاص. وقبل ذلك التقيد بأدب الحوار, وهو طريقنا لكي نتخلص من العقلية الاقصائية التي تسعى إلى تهميش الآخر. ورفض شركاء الوطن, وسياسة اغتيال الشخصية, والنزعة الفردية. ليحل محل ذلك كله روح الجماعة والفريق. والقبول بالآخر, والتعاون على المشتركات.
الإصلاح الإداري
كما ان إصلاح المنظومة القيمية, هو طريقنا لإصلاح سائر قطاعات الدولة والمجتمع. وأولها الإدارة التي صارت الرشوة والوساطة والمحسوبية, من أهم ملامحها. وصار الإصلاح الإداري ضرورة ملحة في بلدنا. وأول ذلك تخليص الإدارة الأردنية من عيوب القرار الفردي السائد فيها الآن. خاصة في ظل تركيز الصلاحيات بيد الوزير والأمين العام والمدير العام. وقبل ذلك إحياء أخلاقيات الإدارة. وأهمها نظافة اليد والفرج, والتحلّي بالعفة والإتقان والاختصاص. والانطلاق من ان الموظف العام خادم للشعب وليس سيداً له. وهو المفهوم الذي تجذّر في الإدارة الأردنية. بفعل الروتين وكثرة التوقيعات على المعاملة, وغياب الثقة بين المواطن والمسؤول. وقد زاد الأمر تعقيداً والمواطن معاناة, أن أهداف الكثير من مؤسسات الدولة غير واضحة, وغير محددة, بالإضافة إلى التداخل في الأهداف والصلاحيات بين الكثير من الوزارات والمؤسسات. كل ذلك بسبب غياب الإستراتيجية المتكاملة للإدارة الأردنية وتنميتها وتطويرها. ولذلك تتم إعادة واستحداث المؤسسات في كثير من الأحيان ارتجالاً, ووفق رؤية مسؤول بعينه. ويزيد الأمر سوءاً عدم الاستقرار التشريعي للكثير من الجوانب الإدارية في بلدنا. كما أن من مظاهر الفساد في الإدارة الأردنية, غياب مبدأ تكافؤ الفرص بين العاملين فيها.
الإصلاح الاقتصادي
إن الإصلاح الإداري الشامل في الأردن صار ضرورة ملحّة لوقف الفساد والانهيار في الإدارة العامة للدولة, وما يجلبه ذلك من مخاطر على الوطن والمواطن. وبدون هذا الإصلاح لا سبيل إلى إصلاح سائر مكونات الدولة, وخاصة الاقتصاد. الذي بذلنا خلال السنوات الماضية جهوداً مضنية لإصلاحه دون جدوى. وأول أسباب إخفاق الإصلاح الاقتصادي في بلدنا, التأثير السلبي للفساد والبيروقراطية على الاقتصاد الأردني, خاصة لجانب جذب الاستثمار. بالإضافة إلى غموض السياسات وتضاربها, وعدم استمراريتها, خاصة على صعيدي التخطيط والتشريع. كذلك ضعف القدرات التي تقود الاقتصاد في القطاع العام, خاصة على مستوى قيادة التخطيط, وفرض نمط بعينه من التفكير الاقتصادي. زاد من خطورة ذلك كله التشوه في السلوك الذي يعاني منه القطاع الاقتصادي الأردني, الذي تقوده عقلية (البقالة), التي تستهدف الربح السريع, وتفتقر إلى النفس الطويل وهي العقلية التي كرستها شركات العائلات التي تتحكم بمفاصل مهمة من الاقتصاد الأردني.
إصلاح القضاء
إن الحديث عن الإصلاح الإداري والإصلاح الاقتصادي في الأردن يطول ويطول, وليس هذا مجاله. لكن هذا الإصلاح لن يتم إن لم يأتِ في إطار عملية إصلاح شاملة ومتكاملة قيمياً وسياسياً وإدارياً. تجمعها خطة وطنية متكاملة للدولة الأردنية التي نريد. على ان يحمي ذلك كله جهاز قضائي كفؤ, مما يعني ان إصلاح الجهاز القضائي في الأردن, لا بد ان يكون جزءاً أساسياً من عملية الإصلاح الشاملة التي نريدها في بلدنا. بعد ان انتقل نقد القضاء في بلدنا من الهمس إلى العلن. وبعد ان كثر الحديث عن غياب المهنية في القضاء الواقف والجالس في بلدنا, وعن معاناة المواطنين من التطويل في القضايا, مما يؤدي إلى تآكل الحق. وقد زاد الطين بلة ضعف الفقه القانوني وتناقض الأحكام القضائية لدى نفس الهيئة. لذلك فإن المطلوب إعادة بناء القضاء الأردني وتعزيز استقلاله, بتعديل قانون استقلالية القضاء, لِكف يد وزير العدل عن التدخل في شؤون القضاء. خاصة صلاحياته بالتنسيب والتعيين والنقل والإحالة على التقاعد وبالانتداب. على ان يرافق ذلك تحديد مواصفات وزير العدل, بحيث لا يقل عن سوية رئيس محكمة التمييز سناً وخبرة. كذلك لا بد من تعزيز الجهاز القضائي بالكفاءات, خاصة بعد ان فقد الكثير منها خلال السنوات الماضية, بسبب الإحالات على التقاعد, بالإضافة إلى تفريغ المحاكم الأولية من الكفاءات, مما أدى إلى إرهاق الجهاز القضائي, والذي صار يعاني من العبء الزائد المُلقى على عاتق القاضي, من حيث عدد القضايا. كذلك فإن من المهم قيام قضاء متخصص في الأردن, خاصة في قضايا الفساد والمطبوعات و.. الخ. وهذا يستدعي زيادة عدد الجهاز القضائي لتخفيف العبء عن القضاة الذين لا بد من تأمين مستوى معيشي, وأمن وظيفي لائق لهم, ولسائر العاملين في الجهاز القضائي. مع توفير أدوات العمل الحديثة للقاضي, مثل التسجيل الصوتي, والمكتبات القانونية, وتأمين فرص السفر لتبادل الخبرات, والاهتمام المكثف بالبناء الثقافي والمعرفي للقضاة, واستمرار تدريبهم, وتشجيع روح البحث العلمي القانوني والقضائي لدى العاملين في الجهاز القضائي, من اجل رفع سوية القضاة بكل السبل الممكنة. وهذا يستدعي إعادة النظر في أسس تعيين القضاة, والسعي لاختيار القضاة من أوائل كليات الحقوق, مع مراعاة الخلفية الاجتماعية والمسلكية للقاضي المُعيّن, الذي يجب أن يتصف بالجرأة والعقلية والخُلق. وعدم ترقيته إلا بعد أن ينال تقديراً لا يقل عن جيد. واستخدام الأحكام التي يصدرها القاضي كوسيلة لتقييم مستواه, بعد السماح لأساتذة الحقوق بالتعليق على الأحكام القضائية, لخلق رقابة علمية على أداء الجهاز القضائي. فإنه لا بد من مساءلة القضاة عن أحكامهم, وهذا يعني تحديث جهاز التفتيش, وزيادة عدده وتوسيع صلاحياته, وتدوين كل ما يدور في قاعة المحكمة, وضبط الإجراءات وتوفير ضمانات في حالات الخطأ في الأحكام, صونا لحقوق الناس الذي هو هدف أي عملية إصلاح. كما أن إصلاح الجهاز القضائي يحتاج إلى إنشاء دائرة خبراء لديه لتكون في خدمته. وكذلك تدريب المدعين العامين بصورة مستمرة.
جبهة وطنية واحدة
إن الإصلاح الذي نتطلع إليه لن يتحقق ما لم تتكاتف قوى شعبنا الحية حوله. وحتى يتم هذا التكاتف الشعبي حول هدف الإصلاح الشامل لدولتنا. فإن علينا ان نفرز من بيننا قيادات شعبية حقيقية. وان نفوّت على أعداء الإصلاح فرصة تفريق تكتلنا الشعبي, والانتباه إلى سياسة اغتيال الشخصيات القيادية, والانتباه إلى سياسة فرّق تسد, التي يعتمدها أعداء الإصلاح, وسياسة تصنيع البُدلاء التي تعتمدها الحكومات لإيقاف عجلة الإصلاح.
إن الأردنيين جميعاً مدعوون لبناء جبهة وطنية موحدة. تجمع قواهم وتوحدها. بدلاً من هذه الشرذمة التي تعيشها الحركة الوطنية والإصلاحية الوطنية, وان تفرز هذه الجبهة قياداتها من شخصيات, تستمد قوتها من ذواتها, ومن التفاف الناس حولها. ولا يكون موقعها الرسمي مصدر قوتها وحضورها. فقد آن الأوان كي نخرج من شرك المناصب التي تضعفنا. وليكون هدف هذه الجبهة تبنّي خطة شاملة للإصلاح في بلدنا, تضع عقداً اجتماعياً جديداً للدولة والمجتمع حماية من الأردنيين لدولتهم ومؤسساتهم وتقويتها وإنقاذاً لها من خطر الفساد الذي يهددها, ولحمايتها من أي محاولات لإضعافها, والتآمر عليها, وتمرير الحلول على حسابها, بأي طريقة من الطرق. وعلى كل المؤسسات الدستورية الأردنية, أن تحرص على المحافظة على صلاحياتها, وعلى تمتين جسور التواصل والانفتاح مع أبناء الشعب الأردني, لتعزيز روح الثقة بين الأردنيين ومؤسساتهم. لأن هذه الثقة هي أساسُ ولُحمة الوحدة الداخلية بين الأردنيين. ومن ثم إصلاح دولتهم.
وبعد, فهذه مجموعة من الأفكار والمقترحات التي نقدمها بين يدي عقلاء ونخب وطننا, علها تكون بوابة لنقاش وطني جاد لتوحيد صفوفنا وبناء بلدنا.. حمى الله وطننا وأمتنا من كل مكروه.