كلفة المديونية الثقيلة

تشير أرقام الموازنة العامة لسنة 2011 إلى أن خدمة الدين العام المحلي بشكل فوائد فقط سوف تبلغ 384 مليون دينار ، ولا نقول شيئاً عن سداد رأس المال لأنه مرّحل للأمام. فكلما استحقت وجبة من السندات والأذونات قامت وزارة المالية بإصدار وجبة مماثلة لاستخدام حصيلتها في تسديد الأوراق المستحقة. أما الدين العام الخارجي فتبلغ خدمته 450 مليون دينار منها 105 ملاينن دينار فوائد والباقي أقساط.
بذلك تكون الكلفة الكلية لخدمة الدين العام هذه السنة 834 مليون دينار أو 1ر4% من الناتج المحلي الإجمالي وهي تشكل الجزء الأكبر من عجز الموازنة.
خدمة الدين العام تشكل نزيفاً للمال العام وضغطاً على ميزان المدفوعات وإعاقة للنمو الاقتصادي لأن الفوائض التي كان يمكن استثمارها محلياً يجب أن تحول إلى الخارج خدمة للقروض الخارجية.
للمديونية ُبعد أخلاقي ، فلماذا تنفق الحكومات مالاً لا تملكه بل تقترضه ، وهي تعلم أنها لا تستطيع أن تسدده عندما يستحق ، لأنها ستكون بحاجة للمزيد من المال لسد العجز وتمويل النفقات.
وللمديونية بُعد سياسي ، يؤثر سلباً على سيادة البلد واستقلاله ، لأنه يصبح عالة على الدول المانحة والدائنة ، وكل منها له شروط قد لا تكون مطابقة لمصالح البلد وخططه. والقول بأن المنح غير مشروطة مغالطة صارخة.
وللمديونية ُبعد مالي ، يعني أن الدولة مضطرة من جهة لزيادة الضرائب لخدمة الديون ، ومن جهة أخرى لضغط النفقات وتقليل الخدمات التي كان يمكن أن تقدمها للمواطنين كالبنية التحتية والتأمين الصحي والتعليم...
وللمديونية ُبعد تاريخي ، لأنها تشكل عبئاً على الأجيال القادمة. ولها ُبعد اجتماعي لأنها تعيد توزيع الدخل القومي لصالح الأغنياء الذين يقبضون ملايين الدنانير من الفوائد في حين يكون على الفقراء دفع المزيد من الضرائب لتمويل تلك الفوائد.
ويبقى أن ارتفاع المديونية وانفلاتها عن السيطرة مؤشر لسوء الإدارة من جهة، والفساد من جهة أخرى ، فقد اتضح أن هناك تناسباً طردياً واضحاً بين حجم المديونية ومستوى الفساد في بلدان العالم الثالث. (الراي)