الثورة أم الاستقرار؟

طـرح الربيع العربي الراهن إشـكالية التنافس بين الإصلاح والاستقرار، فهل على العرب أن يضحوا بالاستقرار من أجل فرض الإصلاح ووضع حد للاسـتبداد والفسـاد، أم تقبل الوضع الراهن على علاته حفاظاً على الاستقرار.
أولوية الاسـتقرار كانت المبـدأ المعمول به، ليس محلياً فقط بل دولياً أيضاً. وكانت أميركا تعتذر عن تحالفها ودعمها للأنظمة الاسـتبدادية بحجة المحافظة على الاستقرار في المنطقة ذات الموقع الاستراتيجي والتي تزود العالم بالبترول.
الربيع العربي يمثل العكس تماماً، فالتغيير المطلوب يعني بالضرورة التضحية بقـدر من الاستقرار لمدة تطول أو تقصر، وما يعنيه ذلك من تكاليف بشـرية واقتصادية.
في كل بلـد عربي قامت فيه ثورة إصلاح وتغيير للنظام فقد ألف مواطن على الأقل حياتهم، وتحققت نكسـة أمنية محسـوسة واقتصادية محسـوبة يؤمل أن تكون مؤقتة، يتم بعدهـا استعادة استقرار جديد مبني على واقع سـليم.
حالة عـدم الاستقرار لها نتائج وتداعيات اقتصادية عاليـة الثمن. وعلى سبيل المثال فإن معدل النمو الاقتصادي في تونس قبل الثورة كان مقدراً بحوالي 8ر4% وأصبح الآن 3ر1%. وفي مصر كان معدل النمو المتوقع 5ر5 فانخفضت التقـديرات اليوم إلى 1%. وكان النمو المتوقع في سـوريا 5ر5% فانحدر إلى 2%، وحدث الشـيء ذاته في البحرين واليمن.
إلى جانب ذلك انخفضت أسعار الأسـهم في مصر وتونس بنسبة 15%، وفي سـوريا بنسبة 30% وتضاعف العجـز في الموازنة العامة، وتراجع قطاع السياحة والصناعة بشـكل موجع.
هذه الخسائر الاقتصادية والاجتماعية هي الثمن الذي لا بد من دفعه عند التضحية بالاستقرار.
هناك حل مثالـي أخذ به الأردن يحقق الإصلاح المنشود دون التضحية بالاستقرار وما يعنيه من تحقيق خسـائر في الأرواح والأموال، وهو قابل للتطبيق لو أن أنظمة الحكم العربية أدركت خطورة الموقف، واختارت أن تلبي المطالب الشعبية، وتتنازل عن امتيازاتها غير المشروعة، فمن يريد أن يأخذ كل شـيء يفقد كل شـيء.
الاستبداد والفساد والظلم ظواهر غير قابلة للاستمرار، والاصلاح ضرورة تاريخية واجتماعيـة، فلا بد من حدوثـه، سلمياً إذا أمكن، وبالثـورة إذا كان لا بد منها.(الراي)