الصراع على الثورة

على مدار العقود الماضية والجماهير العربية مأخوذة بانقلابات عسكرية تستبدل فريقا في الحكم بفريق اخر خلال ساعات او ايام على اقصى تقدير.. ونادرا ما كان يسقط الكثير من الضحايا, ومثل ذلك حروب العرب القصيرة, فلم تتعلم هذه الامة لا الحروب الطويلة ولا الثورات المستمرة التي تقدم الضحايا تلو الضحايا على مدار سنوات عديدة ومن المعروف او الذي يفترض ان يكون معروفا.
اولا ان مفهوم الثورة ليس حكرا على اليسار كما يظن بعض اليساريين بل ينطبق على كل عملية تاريخية تستبدل حالا بحال استبدالا شاملا سواء كان نمطا انتاجيا, اجتماعيا او حالا سياسيا وايديولوجيا
ثانيا ان الثورات الكبرى استغرقت سنوات طويلة ومئات الالاف من القتلى ومنها:
1- الثورات البرجوازية الديمقراطية الاوروبية التي بدأت في بريطانيا ثم فرنسا وحروب نابليون وخيانات كبار المثقفين لاوطانهم في المانيا وروسيا واسبانيا وتأييدهم له. ثم ثورات 1848 وما تخللها من حروب اهلية ودولية لمدة نصف قرن تبعتها الحرب العالمية الاولى.
2- الثورات الامريكية التي استغرقت قرنا كاملا ومرت بحرب اهلية بين شمال صناعي وجنوب اقطاعي من اجل تحويل العبيد الى عمال.
3- الثورات الشيوعية في روسيا ثم الصين وغيرها.
ثالثا: ان الثورة مجرى عام تحدده الوقائع على الارض عبر مراحل ومحطات متعاقبة تتغير فيها التحالفات والتقاطعات من مرحلة الى اخرى ففي المرحلة الاولى ينفتح البيكار على دوائر واسعة بين اليسار واليمين, العمال والبرجوازية الوطنية العلمانيون والمتدينون الديمقراطيون والليبراليون, الثورات الشعبية والثورات البرتقالية, المناضلون الامميون, وعملاء السفارات والقناصل .. الخ.
وكلما تعمقت الثورة تعمق الفرز وضاق البيكار, وهكذا لكن ليس من الف باء السياسة البحث عن ثورة صافية وخاصة في المراحل الاولى, وليس من الف باء الثورة التأفف والانعزال عن الثورة اذا شاركت فيها هذه القوة او المجموعة او تلك.
رابعا: في الحالة العربية الراهنة لا تزال الثورات في بداياتها وتشارك فيها قوى عديدة, وتتسلل اليها السفارات والشركات والاجهزة الدولية وهذا متوقع ومفهوم والعبرة ليست في اليأس او الاتهامات بل في فن ادارة الصراع, والمسافات واخذ الثورة الى نهاياتها المجيدة والانتباه الى ان الصراع داخل الثورة نفسها خاصة ضد (الثورة الملونة) الامريكية لا يقل اهمية عن الصراع ضد قوى الحرس القديم. (العرب اليوم)