«جرائم شرف» من نوع مختلف

تم نشره الإثنين 18 تمّوز / يوليو 2011 12:59 صباحاً
«جرائم شرف» من نوع مختلف
عريب الرنتاوي

لعل من أطرف ما سمعت عن أسباب تقدم التجربة الديمقراطية التركية على نحو حثيث ومتصاعد، ما ورد على لسان السيد إرشاد هرمزلو، كبير مستشاري رئيس الجمهورية، حين قال في لقاء معه في أنقرة نهاية آذار الفائت، أن تركيا حافظت على "شرف صناديق الاقتراع".. يومها لم ندرك للوهلة الأولى -أنا وصحبي- معنى هذا الكلام.. إلى أن استطرد محدثنا في الشرح والتحليل، حيث قال أن بلاده نجحت، في مختلف الحقب التي مرت بها وتعاقبت عليها، من مدنية أو عسكرية، في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة.. وأنها احترمت صناديق الاقتراع وحافظت على "شرفها".

صحيح أن المؤسسة العسكرية كانت تتدخل بعد وقت لقطع الطريق على هذه الحكومة أو ذاك الحزب، خصوصاً حين ترى إرهاصات خطاب إسلامي في ثنايا برامجها ورؤاها، إلا أن الصحيح كذلك، أن الحزب الفائز، كان يشكل الحكومة، أو يعطى الفرصة لذلك، وأن البرلمان المنبثق عن الانتخابات، كان يعبر إلى حد كبير عن الخريطة السياسية والحزبية في بلاد الأناضول.

في عالمنا العربي، قارفت جميع الأنظمة والحكومات "جرائم شرف" ضد صناديق الاقتراع.. فضّت الأختام الحمراء عنها في ليل بهيم وتحت عتمة الغرف المغلقة.. انتهكت حرمة المقار الانتخابية.. واغتصبت السلطة أو واصلت اغتصابها، بالضد من إرادة ملايين الناخبين، فكانت النتيجة خلق أجيال هجينة من المواطنين، لا هي قادرة على التصرف من وحي "المواطنة"، ولا هي مستفيدة حقاً من العودة إلى حضن العشيرة والطائفة والمذهب.. إلى أن اندلع "ربيع العرب" ليتكشف للملأ حجم الأضرار العميقة والعريضة، التي أصابت الجسم العربي في مقتل، أو كادت.

والحقيقة أن سنوات الاستبداد وعقوده الأربعة أو الخمسة الفائتة، حفرت في الوعي و"اللاوعي" العربيين أخاديد غائرة، جعلت ربيع العرب" يبدو قصيراً للغاية، أو هو مهدد بخريف سريع.. فالثورة التي انطلق قطارها من تونس وميدان التحرير، تكاد تتوقف عن أسوار طرابلس وصنعاء ودمشق.. والشرارة التي أشعلت سهلاً في مصر وتونس الخضراء، يبدو أنها لم تكن من القوة بحيث تحرق أركان النظم السابقة، وها هم الأشقاء المصريون بحاجة لانتفاضة مليونية كل جمعة، لكي يتمكنوا من محاكمة فاسد إو إقالة ضابط متهم بالقتل.. ها هي الانتخابات ترجئ هنا وهناك.. ها هي شرارة الثورة تحرق الرئيس علي عبد الله صالح، وتعجز عن حرق نظامه؟!.

ها نحن في الأردن، منقسمون في تعريف ما يجري، هل هو ربيع العرب، أو خريفهم.. هل نستلهم روحه أم "نتقي شروره".. هل نلحق بقطار التغيير، أم نبتعد عن "سكته".. أحزاب تنشاء من وحي "الثورة المضادة" بدل أن تستلهم روح التغيير والإصلاح... وحركات شبابية تكابد من أجل إبقاء الجذوة مشتعلة، لكن طوفان التعبئة والتحشيد والتحريض، يكاد يقطع الأنفاس ويحبسها.. فيما الحوار الحقيقي غائب عن أروقة الدولة والمجتمع، والمؤسسات كل المؤسسات، باستثناء مؤسستي العرش والقوات المسلحة، باتت في مرمى الاتهام والانقسام.

لقد ألحقت نُظم الفساد والاستبداد، تشويهات "خلقية" بأجيال ومجتمعات وطبقات وفئات اجتماعية مختلفة، تذكر بالتشويهات التي تصيب عادة، اللقطاء المتأتين عن "سفاح الاقارب".. لا أحد يستطيع أن يتحدث مع أحد.. لا أحد قادرا على إدارة الخلاف والاختلاف مع أحد.. الأنظمة منقسمة على ذاتها، وهي آخذة في التفكك.. والمعارضة منقسمة على ذاتها، وهي تجد صعوبة في التوحد وبناء الأجندات والشراكات والائتلافات.. ها هو القديم يذوي ويذبل، بل ويُداس تحت أقدام المتظاهرين، لكن الجديد يأبى أن ينبثق أو أن يبنلج فجره.. إنه المخاض العسير بعد سنوات وعقود من الاستنقاع والركود.. إنه المخاض الأعسر، بعد سنوات طوال من العقم، عقم السياسة والنظم والأحزاب والأجهزة.. إنها مرحلة الانتقال الصعبة التي سيتعين علينا المرور بها، والتي ستمتد لسنوات طوال على الأرجح، قبل أن تتضح صورة هذه المنطقة وملامحها النهائية.

لكن "الخبر السار" وسط كل هذه الأنباء السيئة، هي أن الشعب العربي، نزل إلى الشارع، وقرر أن يكون لاعباً، بعد أن ظل الميدان متروكاً لـ"حديدان".. وعلى هذا التطور بالذات، بل وعليه وحده، تنعقد الآمال والرهانات، ومن يعشْ يرَ.(الدستور)
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات