عندما (يغرُش) الرأي العام

تعود هذه الأيام للنقاش مسألة ربط الدينار بالدولار بسبب الأزمة المالية في أمريكا.
في الثقافة المالية الشعبية يتم تقييم فكرة الربط هذه بعدة طرق: فهو عند الكثيرين واحد من مؤشرات هيبة الدينار وقوته, فالدينار "مضمون" لأنه "مربوط", والربط يعني أن ما يحصل على الدولار يحصل على الدينار, كما أن دينارنا مربوط بالدولار شئنا أم أبينا, فلنربطه بإرادتنا أفضل من أن نربطه رغماً عنا.
ثم يا أخي لنسأل, ولنكن صريحين: هل الدولار هو الذي يحتاج إلينا أم نحن الذين نحتاج إليه? الله يكثر خيرهم لأنهم يقبلون أن يربطوا عملتنا بعملتهم... والكلام لا يزال عن الثقافة الشعبية المالية.
عموماً يحتل الدولار -شعبياً- مكانة مالية خاصة لا تنافسه عليها أي من العملات الأخرى حتى الأكثر قيمة منه, وتعد عبارة "يقبض راتبه بالدولار" إشارة إلى علو مرتبة الشخص المعني, وهي تختلف في الدلالات عن عبارة "يقبض بالدولار" التي تعتد شتيمة سياسية, ومن هنا فالذين يحتجون على التفريط يتهمون خصومهم بأنهم "باعوا الوطن بالدولار", ويستخدمون هذه العبارة في هتافاتهم في المسيرات رغم أن الدينار يؤدي نفس الخدمة من الناحية الفنية للهتاف لأنه يحمل نفس القافية (دولار, دينار).
حتى بعض المعارضين الذين يعتبرون الربط تبعية وإلحاقاً فإن أفكارهم غير مقبولة شعبياً, ذلك أن كثيرا من الأوساط الشعبية تنظر لأفكار مثل التبعية والإلحاق الاقتصادي على أنها تطبيق لقاعدة: "رافق المِسْعَد تِسْعَد".
هذا يعني أن الرأي العام "غارش" على ربط الدينار بالدولار, وأن صاحب القرار المالي والنقدي في البلد لا يعيش تحت الضغط الشعبي بقدر ما يعيش تحت "الغَرْش الشعبي" وبالتالي لا عذر له إذا لم يتخذ القرار الصائب.(العرب اليوم)