استمرار الجدل الديني والجندري حول تجنيد الفتيات في الجيش الإسرائيلي

تم نشره الإثنين 14 آذار / مارس 2022 02:28 مساءً
استمرار الجدل الديني والجندري حول تجنيد الفتيات في الجيش الإسرائيلي

المدينة نيوز  :- شهد العقد المنصرم نقاشاً متزايداً حول “جيش النساء”، وحول مشاركة النساء اليهوديات في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقد تسبب الأمر مراراً بأزمة بين التيارات العلمانية والدينية، كقضية “تجنيد الحريديم” وإن كان بدرجة أقل، وقد وصل الأمر لأن اعتبر بعض الحاخامات أن تجنيد النساء اليهوديات في الجيش، بمن في ذلك المتدينات، مغضبة لله ويُخالف تعاليم التوراه.

في المقابل ظهرت خلال هذه السنوات، استمراراً لظاهرة برزت خلال العقود الماضية، العديد من الأصوات الإسرائيلية، وتحديداً من الحركات النسوية، التي تُطالب بتحقيق “المساواة بين الجنسين” في الجيش، استناداً إلى ما نص عليه تعديل قانون “الخدمة العسكرية” وتعديل 16 (أ) للعام 2000، الذي يُنادي بتحقيق المساواة، وذلك في أعقاب قرار المحكمة الإسرائيلية العليا المعروف بقرار أليس ميلر، والذي سنتحدث عنه أدناه.

تجنيد النساء في الجيش الإسرائيلي

في هذا المضمار يتناول المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) قضية تجنيد النساء بين الإشكالية الدينية، وبين المحددات العسكرية التي تفرضها طبيعة العسكرتارية في إسرائيل.

ويشير لانخراط النساء اليهوديات في العصابات الصهيونية قبل نكبة 1948، عام إعلان “إقامة إسرائيل”، ولاحقاً، إعلان “إقامة جيش الدفاع الإسرائيلي” بموجب مرسوم خاص. فقد التحق العديد منهن في العصابات الصهيونية (الهاغاناه؛ البلماح؛ الإيتسل وليحي)، منذ الإعلان عن إقامة القوة النسائية- جيش النساء، بموجب مرسوم إعلان إقامة “جيش الدفاع الإسرائيلي” بتاريخ 26 أيار 1948، وهي عملية دمج للعصابات الصهيونية، بعد أيام من إعلان إقامة دولة الاحتلال على أنقاض الوطن الفلسطيني بعد عمليات التطهير العرقي التي شهدتها المدن والبلدات الفلسطينية، وقد تم اتخاذ قرار بتجنيد النساء في الجيش الإسرائيلي، لكن في وظائف ومهام تُعد مساعدة، وتصنف على أنها “تقليدية/ محافظة”، وتجندت بموجب هذا القرار قرابة 70% من النساء في إسرائيل.

تجنيد النساء من وجهة نظر دينية

من ناحية دينية، فإن تجنيد النساء اليهوديات في الجيش يُعد قضية إشكالية، لذلك، خاض الحاخامات صراعاً ضد تجنيد النساء في الجيش على مدار العقود الماضية، وتحديداً الجناح الحردلي منهم، وهو صراع لم يتوقف منذ إقامة الجيش وفرض التجنيد الإجباري، فقد سارت الأمور خلال العقود الماضية على إعفاء الفتيات المتدينات من الخدمة العسكرية، بعد قيام الفتاة ذاتها بالتصريح أمام لجنة خاصة بالتزامها بعقيدتها الدينية، الأمر الذي يُعفيها من التجنيد الإجباري.

لكن قانون الخدمة العسكرية الإجباري (1953)، نص على أن الفتيات المعفيات من الخدمة المدنية مُلزمات بتقديم “الخدمة الوطنية” بدلاً من الخدمة العسكرية، وقد لاقى ذلك مُعارضة شديدة من الحاخامات. لاحقاً وصل النقاش حول هذه القضية إلى ذروته، وتحديداً في 2018، بمهاجمة الحاخامات، وتحديداً التيار المتزمت الخاص باليهود “الحريديم”، الجيش علناً، ومطالبة رئيس هيئة الأركان بالاستقالة بعد أن اشتد النقاش حول هذه القضية في معرض النقاش الدائر حول قانون “تجنيد الحريديم”.

وقتها أعلنوا في الوقت ذاته أن الجيش يخوض حرباً على المتدينين، تتجلى أبرز معالمها في ازدياد عدد النساء المتدينات اللاتي يلتحقن بالجيش (الخدمة العسكرية)، وفي ظاهرة تجنيد النساء بشكلٍ عام، فذلك يؤدي إلى المساس بـ”العائلة اليهودية”؛ إذ إن المكان الأنسب للمرأة، بحسب ما تنص عليه التوراه، هو المنزل، ومهامها هي أن تقوم بالإنجاب ورعاية الأطفال.

ويستند أنصار التيار الرافض لتجنيد النساء في الجيش إلى تفسير الحاخام موسى بن ميمون (1138-1204) والحاخام دافيد بن سولومون بن أبي زيمرا (1497-1573)، حيث تلخص تفسيراتهما لتجنيد النساء في أنه “يحق” للنساء “التجند” في الجيش- المشاركة في الحرب (بشكل أوضح عند أبي زيمرا)، لكن لتزويد الرجال بالماء والطعام، وتقديم الخدمات وليس في القتال، على الإطلاق.

العسكرتاريا في الجيش: العنصر البشري أهم من الاعتبارات الدينية

وحسب “مدار” يتذرع المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل بأن إصراره على تجنيد النساء نابع من دافع تحقيق المساواة بين الجنسين، في المقابل شكلت قضية المساواة بين الجنسين محور اهتمام وحديث معظم النساء، والحراكات النسوية، داخل الجيش، أو حتى لتلك اللاتي أنهين الخدمة العسكرية، وهذا الأمر يقود إلى القول بأن تجنيد النساء لا يعدو كونه حلا، أو مخرجاً لأزمة ناتجة عن النقص العددي في الجيش، تسببت بها ظاهرة عزوف أو “تخلف” بعض القطاعات اليهودية كالحريديم، منذ إقامة دولة الاحتلال عن تأدية الخدمة العسكرية لأسباب دينية، وبين تهرب قطاعات واسعة من الشباب من الخدمة، يُساعدهم في ذلك البند الذي يُعفي الشباب المتدينين بحجة التفرغ لدراسة التوراه وتأدية الصلوات، إلى جانب إعفاء قانون الخدمة الإجبارية (1953) نساء الأقليات التي يُشارك فيها الرجال في الخدمة العسكرية، كالطائفتين الدرزية والشركسية، من الخدمة.

مجتمع إسبارطي

وسعت دولة الاحتلال منذ البداية لأن يكون مجتمعها مجتمعاً إسبارطياً، غالبية أفراد هذا المجتمع، إما جيش حالي، أو جيش احتياط، يتم استدعاؤه في أوقات الحروب، التي تشنها إسرائيل بين الفينة والأخرى على الفلسطينيين والدول العربية، وهذا الأمر نابع من ظروف وطبيعة وجودها، غير الطبيعي، في محيط رافض ومُناهض لها، على الرغم من التحولات التي طرأت في السنوات الأخيرة على علاقتها مع بعض الدول العربية.

ويرى “مدار” أيضا أنه من هنا تحتل فكرة تجنيد النساء في الجيش أهمية كُبرى، وتزداد خلال السنوات الأخيرة، وهي تُعبر ليس عن النزعة العسكرتارية لإسرائيل التي وضعت الجيش في مكانة مرموقة داخل هرم التصورات الاجتماعية للأفراد، وتُكسبه قدسية كبيرة حتى بات يُعرف بـ”البقرة المقدسة”- فحسب، ولا عن رغبتها وتصورها لمجتمعها العسكري، أو الإسبارطي فقط، بل عن الحاجة الماسة أيضاً لتغطية النقص في العنصر البشري في الوحدات المختلفة، ولا سيما في الوحدات القتالية، رغم التقارير العديدة التي صدرت في الفترة الأخيرة، التي تحدثت عن أن دمج النساء في الوحدات الميدانية القتالية يؤثر في فعالية الجيش، وفي قدرته على “الانتصار”.

في المقابل، لا يُمكن اعتبار مُطالبات الحاخامات نابعة من اعتبارات دينية بحتة؛ وإنما قد تكون نابعة من اعتبارات اقتصادية أيضاً، حيث إن خروج النساء اليهوديات، وتحديداً المتدينات، لتأدية الخدمة العسكرية، سيقود بالضرورة إلى إكمال مسيرتهن، أسوةً بزميلاتهن العلمانيات، كالتعليم الأكاديمي والعمل والتوظيف، الأمر الذي يرى فيه بعض الحاخامات تعدياً على أوامر التوراه للمرأة، وتجاوزاً لها.

ويبدو أن قضية تجنيد النساء الإسرائيليات ستظل أحد الموضوعات الرئيسة في أزمة الدين والدولة في إسرائيل، وواحدة من مركباتها -باعتبارها لا تنفصل عن قضية “تجنيد الحريديم” الإشكالية- والتي لم تصل فيها المركبات السياسية في إسرائيل بعد إلى حالة إجماع تنظم التعامل معها وفق اعتبارات ومحددات واضحة ومُتفق عليها.

القدس العربي 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات