مسيرات عالمية دفاعا عن حقوق بنات الهوى ( صور )
المدينة نيوز -: تنطلق اعتبارا من منتصف الشهر الجاري في برلين وواشنطن وبوينوس أيرس وغيرها من كبرى العواصم الغربية مسيرات حاشدة دفاعا عن حقوق بائعات الهوى المغتصبة والتي يتم انتهاكها بصورة ممنهجة في جميع أنحاء العالم، وهو الأمر الذي أدى لانقسام بين نشطاء الدفاع عن حقوق المرأة بين مؤيد ومعارض لهذه النوعية من الفعاليات الاحتجاجية.
ومن المقرر تنظيم مسيرة واشنطن تحت شعار "سولت ووك سي دي" اعتبارا من 13 آب/ أغسطس الجاري وتتصدرها سامنتا رايت وهي فتاة شابة (23 عاما) تحرص على ارتداء ثياب لا علاقة لها بملابس العاهرات المثيرة، فهي ترتدي سروالا طويلا فضفاضا وقميص (تي-شيرت) واسع وحذاء رياضي، كما تتجنب التصرف بأسلوب فيه تبرج أو إثارة مثل العاهرات.
وتأمل سامنتا أن تتحول مسيرة واشنطن إلى تظاهرة وطنية تشمل جميع أرجاء البلاد، في الوقت الذي تتأهب فيه برلين وبوينوس أيرس وغيرها من كبرى العواصم الغربية لتنظيم مسيرات مماثلة.
وتأتي هذه المسيرات ردا على تزايد وتيرة الانتهاكات التي تتعرض لها العاهرات والتي لا تتوقف على الاعتداء الجنسي، بل تتجاوزها إلى نظرة الاحتقار التي باتت أمرا تقليديا تجاههن في المجتمعات الغربية والمبررة بإلقاء اللوم على الضحايا منهن بسبب أسلوبهن المثير سواء في السلوك أو الملبس.
ويتوقع انضمام نحو 12 مدينة إلى هذه المسيرات التي ينتظر ان تشهد إقبال الكثير من الرجال المتعاطفين مع القضية ومطالبها، بينما ستحرص السيدات المشاركات بها وإن لم تكن من ممتهنات "أعرق مهنة في التاريخ" على ارتداء تنانير قصيرة وضيقة (ميني جيب) وصدريات تبرز مفاتنهن (كورسيه) وجوارب طويلة بمشدات وأحذية مرتفعة بصورة مبالغ فيها والتي تعد الأزياء التقليدية في هذه المهنة، وذلك دفاعا عن القضية التي من أجلها تم تنظيم تلك التظاهرات.
و تقول سامنتا رايت طالبة التربية الرياضية إن "مسيرات العاهرات أو (سولت ووك) وسيلة مباشرة للغاية للرد على أي حجة يمكن أن تثار في هذا الصدد وللتأكيد على أن الاغتصاب اغتصاب والانتهاك انتهاك وأن كلمة لا تعني لا وأن أي تجاوز لهذا الخط يعد اغتصابا ولا يوجد مبرر له على الإطلاق". توضح رايت "نحن نوجه رسالة مفادها أنه بعد عشرات السنين من النضال ضد هذه الانتهاكات لا يزال التأثير محدودا".
يشار إلى أن حركة (سولت ووك) بدأت في تورنتو (كندا) كصرخة احتجاجية من قبل مجموعة من الفتيات الجامعيات ضد تصريحات ضابط شرطة، الذي بدافع التوعية من أجل الأمان الشخصي للفتيات ضد الاغتصاب نصحهن بعدم ارتداء ملابس فاضحة أو مثيرة مثل العاهرات حتى لا يتعرضن للتحرش أو الاعتداء الجنسي. ولكن بعد أربعة أشهر فقط من تلك الواقعة تحولت الصرخة الاحتجاجية المحدودة إلى ظاهرة اجتماعية واسعة الانتشار تجاوزت حدودها أمريكا الشمالية إلى أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا واستراليا.
تقول هيثر جارفيز الطالبة الجامعية الكندية أنها لم تكن تتوقع في يوم من الأيام هذا المردود الواسع والصدي الضخم لصرخة الاحتجاج التي أطلقتها مع مجموعة من زميلاتها، لأول مرة عبر شبكة التواصل الاجتماعي (فيس بوك) وغيرها من المواقع المماثلة في نيسان/ أبريل الماضي.
توضح هيثر (25 عاما) أن "الغرض من حركتها الاحتجاجية كان القضاء على تكريس أسطورة تقوم على صورة نمطية عن العاهرة، كمصطلح تحقيري يتم إطلاقه لتبرير سلوك غير مبرر للدفاع عن الجو العام الذي يعتبر من الصواب إلقاء اللوم والتبعية على الضحية".
وتتابع الطالبة الكندية "لم نكن نتوقع ذلك على الإطلاق، لا زلنا نتذكر عندما قيل لنا لو شارك في حركتكم مئة فرد فسوف يكون أمرا رائعا، كما كنا نظن أن الأمر سوف يقتصر على تورنتو فقط، ولكن الآن تجاوزت الصرخة الحدود وانضم إليها عدد لا حصر له من المدن الغربية، سوف يشاركون في مسيرات (سولت ووك) إنه أمر رائع لا يصدق، ولكن سر نجاحه الضخم يرجع إلى بساطة الرسالة التي يدافع عنها.
وتختتم قولها مؤكدة أن "إلقاء اللوم على الضحية يعد انتهاكا جنسيا في حد ذاته لا يبشر بخير وتحمل تبعاته أذى كبير يجب أن نكون في منتهى الحرص في اللغة المستخدمة للتعامل مع الضحايا".
يذكر أن مدن مثل لندن ومكسيكوسيتي وتيوجوثيجالبا وسيدني وبوسطن ولوس أنجلوس وأمستردام واستكهولم وهيوستن وساو باولو وغيرها من كبرى العواصم الغربية احتفلت بالفعل بمسيرات (سولت ووك) أو "مسيرات العاهرات" أو "النساء الساقطات سيئات السمعة" وغيرها من الألقاب التحقيرية التي تطلقها المجتمعات الغربية على النساء المتبرجات بصرف النظر عن عملهن في مجال الدعارة أو لا.
في السياق ذاته أكدت مدن أخرى مشاركتها في مسيرات أغسطس ومن بينها نيودلهي، كما تعتزم الحركة المجازفة بمحاولة تنظيم مسيرة مماثلة في طهران بحلول عام 2012.
وبالرغم من ذلك، وبصرف النظر عن النجاح الذي حققته تلك الحركة على مستوى العالم، إلا أنها باتت تثير جدلا في قلب الحركات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة السابقة عليها.
في مقال لها نشر مؤخرا في "نيويورك تايمز" تستعرض الكاتبة الصحفية ريبيكا ترايستر، المتخصصة في شئون المرأة ووسائل الترفيه، أسباب رفضها لحركة (سولت ووك) بعد حماسها المبدئي لها.
تقول "أتفهمسعي حركة (سولت ووك) للتخلص من تبعات النزعة الذكورية ونظرتها الكارهة للنساء العاملات بمجال الدعارة وهو أمر صائب وقضية عادلة تستحق النضال من أجلها". وتتابع "لكن من وجهة نظري القيام بذلك بارتداء أزياء مثيرة جنسيا كما لو كان أحد المظاهر التنكرية لاحتفالات الهالوين، لا يبدو لي انتصارا بل استسلاما لمفاهيم المجتمع الخاطئة نحوهن".
تحذر الكاتبة الصحفية "إذا كانت رسالة حركة (سولت ووك) هامة ودقيقة إلا أن الأسلوب الذي يتم تقديمها به ملتبس ويعرض الفتيات المدافعات عن حقوق المرأة في الوقت نفسه لأن يكن ضحايا للهجمات اللاتي يناضلن من أجل القضاء عليها".
بدورها الكاتبة الصحفية الشهيرة جيل دينز وزميلتها ويندي مورفي، المتخصصتين في قضايا المرأة والعنف الجنسي ، كتبتا على صفحات "ذه جاردين" أن حركة (سولت ووك) ومسيراتها الصاخبة تعد إهدارا لقيم رفيعة في مجال النضال من أجل حقوق المرأة".
وتؤكدان "قد نلقي باللوم على الضحية حين نصفها بالعاهرة أو الساقطة، ولكن اللوم الحقيقي يقع على عاتقهن حين يفضلن القيام بدور الضحية مهما كانت الأسباب، أما تشجيع الفتيات على تقمص دور العاهرات فلن يغير من هذا الواقع القبيح".
أما بالنسبة لمؤسسة حركة (سولت ووك) هيثر جارفيز فإن النقد اللاذع أو حتى تلقي تهديدات مختلفة، بات أمرا معتادا، إلا أنها مع ذلك تؤكد اقتناعها بالدور الاجتماعي للحركة التي ساهمت في تأسيسها. وبخصوص الانتقادات اللاذعة والجدل القائم حول الحركة وأسلوبها، فتوضح "نستمع ونتابع لنر إن كان ذلك سيسهم في تحسين ما نسعى إليه".
ولكن تتابع "عندما يرى الناس أن ما نقوم به وسيلة خاطئة للدفاع عن حقوق المرأة، فلا يسعنا سوى التفكير في أن الحركات النسائية بكافة تنظيماتها في أي مكان من العالم لم تتمكن من التوصل إلى توافق فيما بينها وهو أمر يلمسه مئات الآلاف من النساء في جميع أنحاء العالم"، مؤكدة "نسعى للقيام بأشياء كثيرة ليس من بينها التقليل من شأن الجهود التي تبذلها الحركات المدافعة عن قضايا المرأة".
تؤكد جارفيز أن " حركة (سولت ووك) لها تلك الخاصية الخارقة التي تتمثل في حشد الجماهير التي تؤمن بأن الانحياز لإحدى قضايا المرأة من شأنه تعظيم الدور الاجتماعي للحركات النسائية ومن ثم يعتبرن ذلك دافعا على مواصلة المشوار، نحن ندفع هؤلاء النساء على النظر إلى قضايا المرأة بأسلوب مختلف وهذا أمر إيجابي".
أما سامنتا رايت التي برغم سنوات عمرها الـ23 فإنها تتمتع بخبرة كبيرة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، فترى أن حركة (سولت ووك) تعد وسيلة قوية وفعالة في مجال مكافحة الانتهاكات الجنسية التي تتعرض لها المرأة.
وتعتقد رايت أن هناك سوء فهم بشأن دوافع حركة (سولت ووك) موضحة "الكثيرون يعتقدون أن الغرض من هذه المسيرة هو التعبير عن الفخر من خلال تظاهرات تقوم خلالها فتيات بالتصرف كعاهرات أو ارتداء أزيائهن، في حين أن استخدامنا مصطلح ساقطات أو عاهرات هو أسلوب ساخر لنقول نعم .. بالطبع نحن عاهرات لقد انحدرنا إلى هذا المستوى ولكن بالرغم من ذلك نؤكد أنه لا يحق لأحد الاعتداء علينا جنسيا بهذه الصورة".
وتؤكد في الوقت نفسه أن حركة (سولت ووك) لا تختلف كثيرا عن أي مسيرة أخرى للتنديد بجرائم الاغتصاب الجنسي، إلا أننا اخترنا تعبير الساقطات لإدانة سهولة عملية إلقاء اللوم على الضحية بدلا من إدانة الاعتداء الجنسي في حد ذاته، وهو الأمر الجدير بالاستهجان والتنديد في واقع الأمر.
بدورها تؤكد جيسيكا فالنتي مؤسسة حركة (فيميناشين) في مقال لها نشر في صحيفة "واشنطن بوست"أن مسيرات حركة (سولت ووك) تسببت في إثارة الجدل لأنهم "حولوا غضبهم إلى فعل بهدف تغيير الواقع ليصبح المجتمع ينظر بعين الاحترام فعليا للرجال والنساء ومن بينهن العاهرات".
وترى فالنتي أن أبرز مميزات حركة (سولت ووك) أنها نجحت في اجتذاب انتباه فتيات وشابات في عمر الزهور لكي ينظمن صفوفهن بدافع ذاتي مما يضمن استمرار التزامهن بالقضايا التي انحزن لها حتى بعد انتهاء الاحتجاجات، والتي تعتبرها من أهم التحديات التي تواجه الحركة التي لا يزال يتعين على الناشطات المدافعات عنها، إثبات قدرتهن على الاستمرار من خلال محافل أخرى دولية، بخلاف المسيرات التي يعتزمن القيام بها على مستوى العالم.
وتعرب سامنتا رايت عن استيعابها للانتقادات التي تواجه مسيرات حركتها، للحد من تأثيرها وقت انطلاقها منتصف الشهر، ومن ثم بدأت بالتعاون مع اثني عشر ناشطا من الرجال والنساء من مختلف الأعمار التنسيق لدراسة إمكانية مواصلة التصعيد عقب مسيرة واشنطن في الثالث عشرمن الشهر الجاري على مستويات متعددة، بالرغم من الموارد المحدودة المتاحة.
وتوضح رايت أنه من بين أهداف عملية التنسيق تفعيل موقع الحركة الإلكتروني، والذي لا يزال يقتصر دوره حتى الآن على تقديم المعلومات حول موعد المسيرة، لتصبح منتدى حقيقي للتداول بشأن قضية الانتهاكات الجنسية وتقديم قاعدة بيانات مفيدة حول ضحايا هذه الجرائم في محيط منطقة العاصمة واشنطن.
أما جارفيز، فتسعى بدورها لكي تصمد حركة التي بدأت من تورنتو كمنظمة تمثل منصة انطلاق لفعاليات الحركة لتثبت للعام أنها ليست بحاجة للدعم المالي أو الخبرات لتغيير أمور سيئة نشهدها في المجتمع ونريد من المجتمع أن يصغي لما تقوم به.
وتؤكد أنها بصدد تنظيم مسيرة احتجاجية أخرى لحركة (سولت ووك) في تورنتو العام المقبل للتأكيد على استمرار الرسالة التي اجتذبت أنصارا كثيرين في مختلف أنحاء العالم والتي بالرغم من المعوقات والتحديات لن ستجبر المجتمع على عدم مواصلة النظر إليها بلامبالاة بعد الآن.(وطن الامريكية)
صور لفتيات اوكرانيات خرجن من شرفات بيوتهن للمطالبة بحقوقهن .
