عن احتكار الإستيراد وشحنة القمح وأشياء أخرى

تم نشره الأحد 26 كانون الثّاني / يناير 2014 12:26 صباحاً
عن احتكار الإستيراد وشحنة القمح وأشياء أخرى
د . فطين البداد

احتكار السلعة ، لا يختلف من حيث الفجور والأنانية وحب الذات الدوني عن احتكار السلطة .

فالأول يخلف ظلما وطبقية مقيتة ، وسيطرة وحكما مطلقا ، وبه يستطيع المحتكر ، شركة كانت أم مصنعا أم تاجرا فردا وما شابه فرض ما يشاؤون من أسعار وشروط مستغلين حاجة الناس ، وتفردهم في توفير سلعة بعينها ،وغير ذلك من مآس يخلفها الإحتكار: اجتماعية واقتصادية وفساد وإفساد إلخ ..

والثاني ، أي احتكار السلطة ، لا يخرج عما ذكرنا ، وإن جاء بوجوه ومسميات أخرى .

وإني لأعجب أشد العجب ، كيف تسمح الدولة ، أي دولة ، في أن تخالف هي قوانينها وتوافق على الإحتكار غير الطبيعي ، على اعتبار أن هناك احتكارا طبيعيا يرى اقتصاديون ، أنه لا بد من حمايته وخاصة في الخصخصة والأعمال بعيدة المدى ، أما في حال وجود منافسين ممتلئين فيبطل هذا المسوغ فورا ، ولا يعود مقبولا - أخلاقيا إن شئتم - لأن شره ذائع ، وضرره واقع .

ولا يقتصر الإحتكار على الجهات التجارية ، بل قد يتعداه إلى الحكومات ، وها هي شحنة استيراد القمح - 52 ألف طن - والتي وقع حولها لغط كبير مؤخرا وتم حجز 20 ألف طن منها في صوامع العقبة قبل أن تفرج عنها وزارة الصناعة والتجارة بقرار قضائي ، ها هي تشغل دواوين الوزارات وصادرها وواردها والمؤسسات التشريعة والرقابية والقضائية وصادرها وواردها ، ليتبين بعد كل ما قيل في الشحنة المذكورة ، أن ذات الجهة التي تحفظت عليها هي نفسها التي سمحت بإطلاق حجزها ، فنسمع عن سجال عاصف بين وزير الصناعة ومؤسسة الغذاء والدواء ، ولعل لقصة القمح هذه حكاية تروى :

فقد تم طرح العطاء من قبل وزارة الصناعة والتجارة لشراء القمح ، وفضت العروض ، ورست على الأقل سعرا ، وبالفعل ، تم توريد 52 ألف طن قمح إلى الأردن بعد حصول الوزارة على تقرير من شركة المعاينة الدولية المتعاقدة معها .

يعد ذلك بوشر بتحميل باخرة رومانية تدعى " QUEEN SAPPHIRE " تحت إشراف وفد من الوزارة ، وهي الطريقة التي تتبعها وزارة الصناعة والتجارة في جميع مستورداتها من مادة القمح ، وكانت المفاجأة :

فقد رفضت مؤسسة الغذاء والدواء إدخالها باعتبار الشحنة غير صالحة للإستهلاك البشري ، وهنا أنقل حرفيا عن كتاب وجهه وزير الصناعة والتجارة حاتم الحلواني لأحد الوزراء من زملائه في حكومة النسور .. يقول الوزير :

لقد قامت مؤسسة الغذاء والدواء بإصدار كتاب حمل الرقم 1 - 1 - 14 - 8790 ، وبنسختين ( لاحظوا خطورة ما يقوله الوزير في كتابه ) وإن كل نسخة تحمل قرارا حول شحنة القمح يختلف عن الآخر ، تم توجيهه لدائرة الجمارك ، ما أجبر الوزارة على تنفيذ القرار الأشد حذرا ، وفق ما ورد في الكتاب .

إذن : فإن الإحتكار لا يعني السلع فقط ، بل يعني القرار الحكومي ، وهذه قصة شحنة القمح باختصار .

وأختتم بمثال آخر ، قد يكون أشد خطرا من سابقه ، وهو استيراد إحدى المواد الغذائية التي تحتكر إحدى الشركات استيرادها منذ سنوات ، وأنقل هنا حرفيا عن تقرير نشره موقع المدينة نيوز بتاريخ 8 - 3 - 2010 ، وفيه يقول الوزير المعني حرفيا مبررا الإحتكار الذي لا زال نافذا ونحن في العام 2014 : " .. يقول :

( إن استيراد هذه السلعة ... ، ونظرا لأن الدول التي يسمح بالإستيراد منها " بعيدة " ، فإن تكاليف استيرادها مرتفعة جدا .. وعليه ، فقد أصبحت عملية الإستيراد تتطلب ملاءة مالية كبيرة ، الأمر الذي أدى إلى وجود شركة " وحيدة " قادرة على استيراد هذه السلعة وتتمتع بوضعية احتكار طبيعي ) .

أخيرا : ليس بعد الكفر ذنب ، أليس كذلك ؟ .

د . فطين البداد 

 fateen@jbcgroup.tv



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات