انفجار العقبة.. حبال تالفة ورقابة ومساءلة غائبة

تم نشره الخميس 30 حزيران / يونيو 2022 05:56 مساءً
انفجار العقبة.. حبال تالفة ورقابة ومساءلة غائبة
نضال منصور

قبل أن يجف دم الطالبة إيمان إرشيد التي قُتلت داخل حرم جامعة العلوم التطبيقية بعمّان، وقبل أن يتوقف الجدل، وحملات التشكيك بعد أن قرر الجاني قتل نفسه حين حاصره رجال الأمن لإلقاء القبض عليه، كان الأردن مع موعد جديد لفاجعة انفجار صهريج الغاز في ميناء العقبة.

في الحادثتين مع الاختلاف بينهما ظهر أن المجتمع لا يثق كفاية في روايات الحكومة للأحداث، وحضرت قصص نسمعها تُقدم روايات بوليسية، وتضع المؤامرة في القلب مما جرى، وتؤكد أن الحكومة تُخفي أشياء كثيرة.

العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني فور وقوع الانفجار في ميناء العقبة بسبب سقوط خزان يحتوي على غاز الكلورين ترأس اجتماع المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، وأوعز بتقديم توضيحات شفافة للرأي العام، واطلاعه على نتائج التحقيق، مؤكداً على أهمية محاسبة المقصرين وفق القانون، واتخاذ الإجراءات الاحترازية حتى لا يتكرر الحادث مستقبلا.

عادت الحياة إلى طبيعتها في العقبة، واستطاعت الحكومة أن تتحرك بسرعة لتطويق الأضرار، وزار رئيس الوزراء، بشر الخصاونة موقع الحادث مطمئنا الناس بأنه لا مخاطر من انبعاثات الغاز في المنطقة على السكان، والنتيجة المباشرة لهذا الحادث سقوط 13 ضحية، وإصابة أكثر من 260 شخصاً بجروح معظمهم غادروا أسّرة الشفاء.

للوهلة الأولى حاول العديد من المتصيدين استذكار الانفجار في مرفأ بيروت في أغسطس عام 2020، وخلق ربط بين انفجاري العقبة وبيروت، غير أن هذا الاستدعاء لم يصمد، ولم يجد رواجاً وتسويقاً، ففي لبنان التي ذهب ضحية انفجار مرفأ بيروت 300 شخص، وأصيب 6500، وشُرّد 300 ألف من منازلهم جراء الخراب الذي حدث، ذهبت التحليلات في بيروت إلى الأسباب الأمنية الكامنة في تخزين نترات الأمونيوم شديدة الخطورة، وبُنيت قصص عن علاقة حزب الله بهذه الشحنات التي تُستخدم بالمتفجرات، وكل هذه الهواجس والصراعات الأمنية خارج الحسابات في الأردن، والأمر في أسوأ أحواله لا يتعدى إهمالا، وتقصيرا في اتباع معايير السلامة العامة.

بعيدا عن المبالغات التي تُثار على منصات التواصل الاجتماعي، فإن الملاحظة اللافتة التي أثارها رئيس اللجنة النقابية لعمال الموانئ، أحمد السعود العمايرة، أن أيّا من المسؤولين في الدولة لم يُقدم استقالته، والجميع ينتصل من المسؤولية، ولا يعترف بخطئه.

في الأعوام القليلة الماضية فُجع الأردنيون والأردنيات بحوادث لا تزال ذكراها المؤلمة حاضرة، وكلها بشكل أو بآخر كانت تؤشر دون أدنى شك على الإهمال، والتسيب، وتراخي العمل في مؤسسات الدولة، وكان آخرهما حادثة مستشفى السلط خلال جائحة كورونا حين توقف الأكسجين عن المرضى، وأدى إلى 10 وفيات، وقبلها كارثة البحر الميت حين أخذت مياه الفيضانات في طريقها أطفال رحلة مدرسية، فسقط 22 ضحية لا ذنب لهم.

في متابعاتها لحادثة انفجار العقبة نبهت جريدة الغد اليومية إلى قضية في غاية الأهمية، وتتلخص في غياب أرصفة مستقلة في ميناء العقبة مخصصة للمواد الخطرة، ويكون لها مواصفات، ومقاييس مختلفة عن باقي الأرصفة، وتخضع لإشراف أمني مينائي.

في كل ما كُتب وما قيل عن انفجار العقبة، وقبل أن تعلن لجنة التحقيق التي يرأسها وزير الداخلية نتائج تحقيقاتها، فإن ملخص المشكلة أن حبل الرافعة انقطع وهو يرفع صهريجا لغاز الكلورين، فأدى انقطاع الحبل إلى سقوط الصهريج، ومن ثم انفجاره وتسرب الغاز.

في حديثي مع القبطان البحري، فيصل الرفاعي، حدثني عن أن التلف في "واير" حبل الرافعة كان ظاهراً، وأن هناك مطالبات نُقلت على لسان الفنيين بضرورة تغيير معدات المناولة.

حسب كلام الرفاعي وهو ما يؤكده كذلك خبراء في السلامة العامة، فإن المعدات يتم فحصها بصريا قبل استخدامها مباشرة، وتخضع لفحص فني كل شهر، وفحص متخصص كل سنة، وتكون هناك شهادات موثقة في الفحوص، وسلامتها، مشيراً إلى أن النوع المستخدم في ميناء العقبة في المناولة للمواد الخطرة غير مناسب، وأن الفيديوهات الأولية التي عُرضت تُظهر أن الأشخاص في موقع الحادث تصرفوا بشكل عشوائي دون اتباع لقواعد السلامة العامة.

تكاد تُجمع الآراء المتداولة أن الانفجار في رصيف رقم (4) قد ولّد قناعات راسخة أن الأرصفة في ميناء العقبة غير مهيأة للتعامل مع المواد الخطرة، وأن الالتزام بمعايير، وشروط السلامة العامة غائب، ومفقود.

يحمد الكثير من المسؤولين في الدولة ربّهم أن الانفجار، والحريق لم يمتد مداه ليصل إلى الأرصفة التي تمتلئ في المواد النفطية، وإلا لحدثت كارثة، وهنا يشيرون إلى سلامة صوامع القمح التي تُبعد عن موقع الانفجار 600 متر فقط، ويقول مدير الشركة العامة للصوامع، عماد الطراونة في تصريحات صحفية أن مخزون الحبوب لم يتعرض لأي ضرر، وبقي سالماَ، ويؤكد أن الصوامع مخصصة لمقاومة كل الظروف الخارجية من أشعة، وشمس، وتسرب غاز، وهي مُحكمة الإغلاق.

مخاوف الدولة الأردنية أن يتضرر مخزونها من الحبوب مبرر، فالعالم كله يشكو من أزمة غذاء، وخاصة وصول الحبوب إلى البلدان منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وهناك إنذارات تُطلق دوليا من مخاطر جوع قد تشهده الدول إذا ما استمرت الحرب، واستمرت القيود على تدفق، وانسياب الحبوب عبر الموانئ.

انتهت حتى الآن تداعيات انفجار العقبة، ووزير البيئة الأردني، معاوية الردايدة طمأن الناس إلى خلو الهواء في العقبة من غاز الكلورين، ونوه بأن الفرق الميدانية أجرت فحوصا للهواء، والماء، وتأكدوا أنهما خاليين من أي تلوث، وأكثر من ذلك ذهبت الحكومة إلى التأكيد إلى أن الحادث لم يؤثر على حركة السياحة، ولم تسجل حالات إلغاء للحجوزات من السياح القادمين.

لا يحتمل الأردن انتكاسات جديدة بعد أكثر من عامين على جائحة كورونا كانت أول ضحاياها السياحة، ومع بدء التعافي وتدفق السياح مرة أخرى فإن أي ضربة موجعة تشكل خطا أحمرَ.

قرر موظفو، وعمال ميناء العقبة تنظيم وقفة يحتجون فيها على عدم توفر إجراءات السلامة، ونائب رئيس المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، العميد حاتم الزعبي يُشدد على ضرورة وجود من يُراقب إجراءات السلامة ويُشرف عليها، ويُحاسب المقصرين إن وجدوا، والأصوات ترتفع بالمطالبة بإحالة الملف برمته للنائب العالم لاتخاذ الإجراءات القانونية.

المشكلة التي تتنامى في الأردن ضعف الثقة بمؤسسات الدولة، والاعتقاد الجازم بأن المسؤولين لا يخضعون للمساءلة، والمحاسبة، وأن الضجة التي تُثار بعد كل فاجعة ينتهي تأثيرها بعد أيام، وأسابيع.

ربما لا تكون صورة الأردن بالسوداوية التي تُرسم، وتتشكل في السوشال ميديا، وهي مُرعبة، ومُخيفة، ومُقلقة، لكن الثابت أننا لسنا بخير، وليس أدل من ذلك سوى تراخي مسؤول عام عن استبدال حبال المناولة في الميناء، وكان إهماله سببا في مأساة كان يمكن تداركها لو كان الضمير يقظا، ولو كانت آليات المراقبة، المساءلة فاعلة دون تهاون.

المصدر : الحرة 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات