صومالي!!

انه أطول رمضان في التاريخ العربي الاسلامي، ولأنه لا ينتهي فهو بلا أعياد، وكأن قدر هذه البلاد هو ان تحصي أيامها بمحاصيل الفوضى والدمار والجوع، اما المحاصيل الاخرى التي يعرفها عباد الله في كل مكان فهي مجرد سراب.
ان من نشاهدهم من اطفال الصومال على الشاشات هم أشبه بتماثيل للبؤس، فهم يقرضون باطن خدودهم جوعاً، وقد تكون اسمال بعضهم هي آخر وجبة التهموها من فرط الجوع!
ولكي تستكمل دائرة الشقاء محيطها.. فان هناك قوساً يضاف الى جحيمها هو التربص بالمعونات التي تقدم الى جزء يسير من شعب يكابد الفقر والمرض على نحو غير مسبوق، فالصوماليون صائمون لكن بطريقة اخرى، وعلى من ينتظرون مدافع الافطار وطبول السحور ان يتذكروا بأن هؤلاء لا افطار لهم الا ما تيسر من قذى العيون الملتهبة وافرازات الجسد المختصر!
هل يكفي اعتذار المتخمين لهؤلاء؟ وهل تكفي سطور هنا أو هناك لتحقيق توازن أخلاقي؟
ان ما يفيض من موائد افطار العرب ويتحول الى نفايات يكفي بعضه لتقديم وجبة افطار قومية ودينية وانسانية لمن صاموا الدهر كله! لكنهم لم يجدوا حتى بصلة!
مشاهد الصومال عورة سياسية واخلاقية لا تجد من يسترها، وحين تتنافس وسائل الاعلام والفضائيات في تقديم عينات من تلك الهياكل العظمية فان المقصود بذلك أحد أمرين أو كلاهما: اما افتضاح ما يجري أو التسلي بكوميديا بشرية صفراء وليست سوداء فقط، فهناك شعوب مصابة بالانيميا برمتها، مقابل شعوب تشكو من التخمة وتنفق المليارات من اجل الترشيق وجراحات التجميل لمن ترهلوا وتحولوا الى كرات من الشحم!
وان المرء ليتساءل باندهاش كيف يمكن لمن يرون تلك المشاهد أن يبتلعوا طعامهم بلا عسر أو غصة في الحلق، وكيف يمكن لصائم موعود بافطار يومي وعيد أن يكون في قارب واحد مع صائم أبدي غير موعود الا بالاوبئة وفقر الدم والمقابر الجماعية للاطفال؟
الصومال بلد منكوب بكل المقاييس، وهو ليس مجرد بقعة سوداء في تضاريس العرب الجغرافية، وبمقياس رسم قومي..
ان هؤلاء بشر، وينتظرون ممن يعطفون على الحيوان ويهتفون من أجل حقوقه حصتهم من هذا الكوكب الذي تحول الى كعكة تعج بالذباب!
ما من غفران بعد الآن وقبل الآن أيضاً لمن شاهدوا تلك الهياكل العظمية وهي تحدق في وجه العالم وتشهر عريها لادانة كل من تورطوا بتجويع الشعوب وتحويلها الى رهائن في عقر أوطانها..
ما من ذريعة على الاطلاق لبقاء هؤلاء الصائمين رغماً عنهم فريسة يومية لبراثن الجوع والمرضى، حتى لو كانت تلك الذريعة العصابات والقراصنة ومن يأكلون لحم البشر احياء وموتى..
عار على البشرية كلها ما يجري في الصومال لكنه شنار وعورة اخلاقية لكل العرب والمسلمين!!(الدستور)