الغائب في التعديلات الدستورية

تم نشره الثلاثاء 16 آب / أغسطس 2011 12:35 صباحاً
الغائب في التعديلات الدستورية
سلامه الدرعاوي

لعل الجانب المالي والاقتصادي الغائب الابرز في التعديلات الدستورية الاخيرة, علما ان هناك اشكاليات كبيرة اثارت جدلا في المجتمع حول عدد من تلك البنود التي يطالب الكثير بتعديلها جذريا حتى يتسنى للاصلاح التقدم للامام.

بداية, فان التعديل المتعلق بالقوانين المؤقتة وحصرها بحالات الحرب والكوارث والنفقات المستعجلة لا يوجد فيه جديد مقارنة مع ما هو موجود فالمادة 94 من الدستور المعمول به الان تنص على انه " عندما يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحلا يكون لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة في الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل ويكون لهذه القوانين المؤقتة التي يجب أن لا تخالف أحكام هذا الدستور قوة القانون على أن تعرض على المجلس في أول اجتماع يعقده وللمجلس أن يقـر هـذه القـوانين أو يعدلها, أما إذا رفضها فيجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلانها فورا ومــن تاريــخ ذلك الإعـــلان يـــزول مـفـعـولها على أن لا يـؤثـر ذلك في الـعـقود والحقــوق المكــتســبة".

فالتعديل حول التدابير الضرورية الى الحالات الثلاث السابقة, وفي الحقيقة ان التفسير قد يمتد كثيرا حول ما هي النفقات المستعجلة, فهل يفسر وجود منحة مالية لمشروع قانون معين بانه تدابير مستعجلة كما حدث في قانون المعلومات الائتمانية في السابق?

كما ان الشان الضريبي ما زال على حاله دون تغيير, فالدستور الحالي يقضي بان "لا تفرض ضريبة او رسم الا بقانون ولا تدخل في بابهما انواع الاجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من خدمات للافراد او مقابل انتفاعهم باملاك الدولة ", وعلى الحكومة ان تأخذ في فرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وان لا تتجاوز مقدرة المكلفين على الاداء وحاجة الدولة الى المال.

النقطة الغريبة في هذا الشأن هو ان الدستور ضمن العدالة الاجتماعية لكن التطبيق على ارض الواقع يختلف جذريا مع ما وضعه, فلا يوجد ما يلزم الحكومات بتنفيذ هذه البنود من قبل اي سلطة. والواقع, كان الاجدى ان يكون هناك بند خاص بالزامية تطبيق مستلزمات تلك المادة من حيث قوانين الضريبة وانظمة الرسوم بما يتوافق مع الدستور.

اما المادة 112 من الدستور المتعلقة بالموازنة فتنص على انه " يقدم مشروع قانون الموازنة العامة الى مجلس الامة قبل ابتداء السنة المالية بشهر واحد على الاقل للنظر فيه وفق احكام الدستور", وهو امر ترك المجال على مصراعيه للحكومة والنواب في اقرار النواب وفق ترتيبات تتفق عليها السلطتان, وهو امر قد يؤدي الى تأخير اقرار الموازنة حتى شهر شباط او اذار من كل عام مثلما يحدث دائما, وهو امر يؤثر جليا على الانفاق ويغير في بعض البنود والفرضيات.

كما انه في البند الثاني من نفس المادة السابقة والتي تنص على " انه يقترع على الموازنة العامة فصلا فصلا" والحقيقة ان الامر يتطلب نقاشا تفصيليا لبنود الموازنة, والمقصود هنا رفع الحصانة المفروضة على بعض القطاعات التي لا احد يناقشها من السلطتين.

كما ان البند الرابع من المادة 112 والتي تنص على " ان لمجلس الامة عند المناقشة في مشروع قانون الموازنة العامة او في القوانين المؤقتة المتعلقة بها ان ينقص من النفقات في الفصول بحسب ما يراه موافقا للمصلحة العامة وليس له ان يزيد في تلك النفقات لا بطريقة التعديل ولا بطريقة الاقتراح المقدم على حدة على انه يجوز بعد انتهاء المناقشة ان يقترح وضع قوانين لاحداث نفقات جديدة", تركت تلك المادة الباب مفتوحا على مصراعيه لاصدار القوانين المؤقتة والذي يخالف روح التعديل السابق

الملاحظة الاخرى هي فيما يتعلق بالمادة 115 والتي تنص على ان " جميع ما يقبض من الضرائب وغيرها من واردات الدولة يجب ان يؤدي الى الخزانة المالية وان يدخل ضمن موازنة الدولة ما لم ينص القانون خلاف ذلك ولا يخصص اي جزء من اموال الخزانة العامة ولا ينفق لاي غرض مهما كان نوعه الا بقانون", وهنا السؤال الذي يطرح نفسه هل ستبقى بعض الهيئات والمؤسسات ذات الحصانة المعروفة تدير اموالها وتنفق وتقبض الاموال وفقا لسلوكياتها الراهنة دون رقيب او حسيب, اليس من المفترض ان تتوحد الرقابة المالية العامة تحت مظلة وزارة المالية وتلغى تلك التشوهات والاختلالات في المالية العامة?.

اما فيما يتعلق بالمادة 117 والتي تنص على " كل امتياز يعطى لمنح اي حق يتعلق باستثمار المناجم او المعادن او المرافق العامة يجب ان يصدق عليه بقانون". فالكل هنا يتساءل ما دامت تلك المادة الملزمة موجودة فلماذا لم يتم عرض الاتفاقيات الكبرى مثل ادارة المطار وبعض اتفاقيات الخصخصة على مجلس النواب, لا بل ان اتفاقية الكازينو على سبيل المثال تم اقرارها من مجلس الوزراء من دون علم مؤسسات الدولة والرأي العام علما انها ترتب على الخزينة اموالا في حالات معينة.

واخيرا, فان البند الاول من المادة 119 ينص على انه يقدم ديوان المحاسبة الى مجلس النواب تقريرا عاما يتضمن اراءه وملحوظاته وبيان المخالفات المرتكبة والمسؤولية المترتبة عليها وذلك في بدء كل دورة عادية او كلما طلب مجلس النواب منه ذلك" والواقع انه لا يوجد ما يلزم ايا من اجهزة الدولة الاخذ بما يخرج به ديوان المحاسبة لا بل ان البعض يرى فيه رايا استشاريا ليس مشروطا الاخذ به, وهو امر يجعل من تقارير ديوان المحاسبة حبرا على ورق " اليس من المفترض ان يتم دعم استقلالية ديوان المحاسبة وتفعيل الالزامية تجاه تقاريره خاصة وانه جهاز رقابي يدعم الاصلاح والتقييم والمساءلة.

اولا واخيرا, فان التعديلات الدستورية بحاجة الى ارادة سياسية عليا بحمايتها وضمانة تطبيقها وايقاف تغول السلطات عليها, وهذا يتطلب حكومات وبرلمانات قوية تحترم الدستور نصا وروحا, وغير ذلك لا يفيد اي تعديل في الدستور ما بقيت الاجهزة المعنية على حالها دون اصلاح بنيوي فيها.(العرب اليوم)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات