خطوة في الاتجاه الصحيح ... ولكن ؟!

هي خطوة في الاتجاه الصحيح، قد نختلف في تقدير حجمها ومداها، إلا أننا متفقون على ما يبدو، ومن مختلف المشارب والمنابت، على أنها خطوة على الطريق إلى الإصلاح السياسي والتحوّل الديمقراطي...لقد حصنت هذه التعديلات حقوق الأردنيين وحرياتهم، كان يمكن أن تفعل ذلك بطريقة أفضل، وأن تشير إلى سمو المواثيق والمعاهدات الدولية في هذا المجال، وكان يمكن أن تطور منظومة حقوق المرأة والطفل، ولكن ما فعلته، خصوصا لجهة تجريم الاعتداء على حقوق الناس وحرياتهم، هو أمر يسجل للجنة الملكية لا عليها.
هي خطة في الاتجاه الصحيح، فالمحكمة الدستورية التي جاهدنا في سبيل إنشائها منذ "الأردن أولا"، وجدت طريقها أخيراً للدستور المقترح، ويتعين علنا أن نواصل "الجهاد" مع النواب والأعيان، من أجل توسيع قائمة الجهات التي بمقدورها أن تخاطب المحكمة وتلجأ إليها، فلا تقتصر على مجالس الوزراء والنواب والأعيان، بل تتعدى ذلك إلى النقابات ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وأية جماعات تشعر أن مصالحها تعرضت للأذى جراء إقرار بعض التشريعات التي يُظنُّ أنها تتعارض مع المبادئ الدستورية...ونريد للمحكمة الدستورية أن تختص أيضا في تفسير الدستور، بدل أن ننشئ لهذا الغرض، مجلساً خاصاً.
وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنها تلزم الحكومات بالاستقالة في غضون أسبوع من حل المجلس النيابي، وتملي تعليل وتسبيب "حل المجلس"، ونأمل أن يكون النص على ذلك صريحاً، فلا نلجأ إلى "استنتاج" هذه المادة من مادة أخرى: لا يجوز المجلس مرة ثانية لنفس السبب، إن كان لا بد من ذلك...وهي تفرض إجراء انتخابات نيابية في غضون أربعة أشهر، فلا فراغ نيابياً كذاك الذي اشتكينا منه مرات ومرات، ونأمل أن يحصن النواب والأعيان هذه التعديلات بإضافة مادة تحظر حل المجلس قبل انتهاء ولايته كاملة، ومن باب أضعف الإيمان، إلغاء المواد التي تنص على تمديد ولاية المجلس، فالاستحقاق الانتخابي مقدس، وهو وإن كان عرضة للتقديم بالتوافق بين الكتل النيابية الرئيسة، إلا أن تأخير إجرائه، يجب أن يكون محظوراً في مطلق الحالات.
وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، إذ أُنشئت بموجبها، هيئة مستقلة للانتخابات، وأُحيلت الطعون إلى المحاكم بدل المجلس، وخفضت سن المرشح إلى 25 عاماً بدل 30، ومددت مدة الدورة العادية إلى ستة أشهر بدل أربعة، وولاية رئيس المجلس إلى سنتين بدل سنة...وما زلنا نأمل أن تمدد مدة الدورة العادية إلى ثمانية أشهر، أو تقليصها إلى أربعة، شرط عقد دورتين عاديتين في السنة، كما كنا نأمل أن ينص على قواعد العدالة في التمثيل عند الحديث عن الانتخابات والبرلمانات المنبثقة عنها.
وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، خطوة في الاتجاه الصحيح، إذ عززت سلطة القضاء، وأنشأت مجلسه بموجب قانون خاص به...وأعطته دوراًُ مقرراً في كثير من مناحي الحياة السياسية والعامة، وشددت على استقلاليته وجعلت القضاء الإداري من درجتين... وألزمت الوزراء بالمثول أمام القضاء العادي في حالات الاتهام...وقلصت مساحة عمل "المحاكم الاستثنائية"، وحصرت أمن الدولة في الخيانة العظمى والتجسس والإرهاب، والمأمول في النقاشات النيابية، أن يجري استحداث مزيد من المواد الرامية لتحصين استقلالية القضاء وتطوير كفاءته، فالعدل أساس الملك.
وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، إذ قيدت أيدي الحكومة في تمرير القوانين المؤقتة، وحصرتها بحالات ثلاث: الحروب والكوارث والإنفاق الذي لا يحتمل التأجيل، وهذا أمر متقدم، يمكن أن يجري إحكامه أيضاً، من خلال جعل إصدار هذه القوانين (آخر العلاج، الكي بالنار)، كأن يُنص على استدعاء المجلس لدورة استثنائية لغرض التعامل مع "الطوارئ".
وثمة عديد من النقاط التفصيلية، التي لا تقل أهمية عمّا سبق ذكره، تندرج جميعها في هذا السياق من نوع إلغاء "الثلث المعطل" على حد تعبير النائب بسام حدادين...لكن تبقى مع ذلك جملة من العناوين التي لم تأت اللجنة على ذكرها، لعل أهمها آلية تشكيل الحكومات، وهي آلية طالما اشتكى منها معظم الأردنيين...صحيح أن الملك ألمح في خطاباته الأخيرة إلى "الحكومات البرلمانية" أو تلك المنبثقة عن تيار الأغلبية في البرلمان، والنظام الحزبي وتداول السلطة، لكن كل ذلك لم ينص عليه في التعديلات المقترحة، وهذه النقطة ستكون الذريعة أو المبرر الأكبر، لكل معارضي التعديلات، للاستمرار في معارضتهم، أو للقول بأنها لم تلب الحد الأدنى من تطلعات الشارع الأردني...كان يتعين على اللجنة النص على ضرورة اختيار رئيس الحكومة من التكتل النيابي الأكبر، أو النص على ضرورة إجراء استشارات نيابية ملزمة، على الطريقة اللبنانية، يتم في ضوء نتائجها اختيار رئيس الوزراء المكلف الذي يحظى بغالبية أصوات من النواب الذين تمت استشارتهم.
وكان يمكن الذهاب إلى صيغة أكثر تطوراً لتشكيل "مجلس شعب" أكثر توازناً، من خلال النص على انتخاب مجلس الأعيان، على ألا يزيد أعضاؤه عن نصف أعضاء مجلس النواب، كما هو معمول به حالياً، شريطة أن يتوزع أعضاؤه على المحافظات بالتساوي، ليترك لمجلس النواب، أمر التوزع على المحافظات وفقاً لكثافتها السكانية، وكما هو معمول به في معظم الديمقراطيات المتقدمة، التي تحرص على حفظ التوازن بين مكوناتها.
ثمة فرصة أمام النواب والأعيان، لكي يستكملوا ما بدأت اللجنة الملكية من إدخال تعديلات واستحداث إضافات ترقى بالنص الدستوري إلى مستوى الاستجابة لتطلعات الأردنيين والأردنيات...على أن الأهم من النصوص هو أن نرى خطوات ثابتة وراسخة على الأرض، تنهي الاختلالات في نظامنا السياسي وتحصن منظومة الحقوق والحريات والكرامات والواجبات التي تمليها المواطنة المتساوية لجميع الأردنيين ....فأحسن نص دستوري يمكن أن تبدده وتطيح به حكومات وإدارات سيئة، وخبرتنا في هذا المجال، لها أول وليس لها آخر...والعبرة في الشروع في إطلاق ورشة تشريعية تعيد تكييف القوانين والتشريعات لتنسجم مع روح ومنطوق الدستور الجديد عند إقرارها، بدءا بمشروع قانون الانتخابات الذي اقترحته لجنة الحوار الوطني، والذي لن تجد المحكمة الدستورية العتيدة عند إنشائها، عنتاً في البرهنة على عدم دستوريته، لسبب بسيط وهو أن هذا القانون "يعبث" بروح الدستور، أو بمبدأ المواطنة المتساوية وقاعدة عدم التمييز بين المواطنين.(الدستور)