الكتائب البرتقالية

في عهد الاستعمار الأوروبي القديم وعهد الاستعمار الامريكي الجديد والمحافظين الجدد, كانت الخيارات الرأسمالية العدوانية تتراوح بين الغزو العسكري المباشر وبين تسليح وتدريب قوات محلية عميلة على غرار جيوش كوريا الجنوبية وفيتنام قبل تحريرها... الخ.
ومع تفاقم الازمة الرأسمالية العالمية راحت الادارات الامريكية في فترات الليبراليين الجدد تفكر بجيوش وكتائب من نوع آخر, بدأت عملياً مع ادارة كنيدي, واستعادها كلينتون وعادت بقوة مع إدارة أوباما وملخصها تأهيل وإعداد نشطاء ليبراليين من المثقفين والشباب والنساء, وتم تأسيس صناديق لدعمهم مثل مراكز التدريب الخاصة باسم (التدريب على حقوق الانسان والاقتراع والانتخاب) ومراكز دراسات خاصة لحقوق الانسان والنساء والمثليين جنسياً والدفاع عن الصحافيين, وأخرى لتسويق أفكار (السوق الاجتماعية) أو الاهتمام بالاقليات والنقابات والاسلام السياسي... الخ وكانت حصة المثقفين والاعلاميين حصة وافرة ايضاً, مجلات, صحف, دور نشر, جوائز دولية وأخيراً الفضائيات والمنابر والمواقع الالكترونية...
وإضافة للوكالات الامريكية المتخصصة والمخابرات المركزية الامريكية وللهيئات الاوروبية, كان لمصادر الدعم النفطية ما تقدمه على هذا الصعيد منابر وصحف ومكافآت كبيرة...
وما على افراد هذه الكتائب الثقافية الاعلامية ونشطاء مراكز التمويل الاجنبي المختلفة البديلة عن وحدات التدخل السريع ومشاة البحرية الامريكية, سوى تسويق خطاب محدد, هو الخطاب الليبرالي وتفريغ الديمقراطية من أي مضمون اجتماعي يؤكد على الصراع الطبقي وفك التبعية, ويربط بين التنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية في الداخل, وبين حق الأمة في النهوض والوحدة ومقارعة العدو الصهيوني...
وهو ما يفسر غياب الشعارات المعادية للامبريالية الامريكية والتطبيع عن أية نشاطات أو احتجاجات يشارك فيها الليبراليون المتحمسون لحقوق الانسان والاصلاح الديمقراطي الذي لا يقترب من القضايا الطبقية والوطنية الكبرى...
وبالمحصلة, ثمة سرايا مختلفة داخل الكتائب البرتقالية, سرية نشطاء مراكز التمويل الأجنبي, وسرية الاعلاميين في الفضائيات والصحف والمواقع الالكترونية, والسرية النسائية وسرية المظلات من (مبدعين) هبطوا فجأة على الساحة الثقافية, والسرية المالية المشتركة من الصناديق الامريكية والنفطية...
هكذا وكما ترون لكل زمن رجال فمن زمن الاستعمار المباشر وقوات الغزو أو التدخل العسكري (من ريغان الى بوش) الى زمن الاستعمار الناعم: مثقفون ونشطاء حقوق انسان مدربون عند بلاك ووتر بدون مسدسات.(العرب اليوم)