الإعلام يحمل السياسة ولا يصنعها

تم نشره الخميس 18 آب / أغسطس 2011 01:42 صباحاً
الإعلام يحمل السياسة ولا يصنعها
راكان المجالي

 

حين تفتح «الكاميرا..» عينها الضيّقة، على هيئة عيون السمك، فإنّها تفتح بذلك فضاءً واسعاً من الحقيقة، فتتمكّن من رؤية كلّ شيء حولها. عندها، وعندها فقط، يستعيد الإعلام الراهن صدقيته ومهنيته الحائرة، بين أشكال الظلم والقهر، الموزّع بأقساطٍ وافرة في أرض العرب.

فعيون السمك الطبيعية، إذا حاصرتها «محاجم..»، ومهما كانت الدوافع، نبيلة أم انتهازية، فإنّها يمكن أن تُريك كلّ شيء يريده صاحب المحاجم، باستثناء الصورة الحقيقية كما هي، بعد أن تمكّن واهماً من تغيير وظيفة «الكاميرا..»، مِن الانفتاح كعيون السمك إلى الانغلاق كعيون «البغل..»، المدجّن والمُحجّم، بمهمّة رؤية طريقه لجرّ العربة..!؟

مُخطىءٌ مَن يظن أنّ السياسة يمكن لها أن تكون محمولة على الإعلام وحده، فتمتطي صهوته، بسروجٍ أو من دونها، ومن دون أن تترك نُدوباً على جسده وهيئته وملامحه.

ففي خِفّة غير مسبوقة، يتفشّى اليوم اعتقادٌ وشعور، بأن النجاحات التي حقّقتها بعض وسائل الإعلام العربية، في السنوات الأخيرة، يمكن لها أن تكون بديلاً للسياسة، أو قُل وَهْم أنّها السياسة نفسها. فتضخّم النجاح، في منطقة مليئة بكوارث الفشل، وعلى مدى عقود، منَح أصحابه وفرة مِن أحلام كثيفة. أحلامٌ لا تبدأ بوهم امتلاك السياسة، المهيمنة على الإعلام، القدرة على امتطاء صهوة الرياح، ولا تنتهي بوهم إمكانية تحريك الشعوب والمجاميع، ناهيكَ عن امتلاك القدرة على الصمت هنا، والصراخ هناك، وإغماض العين حين يريد صاحب السمك المُحجّم.

تلكَ الخفّة، المحمولة على وهمٍ، وجدت طريقها إلى نفوس وعقول بعض الأفراد، سياسيين ومفكّرين ومهنيين ومثقفّين، على نحوٍ بدا لكثيرين بأنّ الفعل والتأثير، في الشؤون العامّة، بات صناعة سينمائية، أو قُل بصرية. فصار مِن المألوف، أن نشاهد ونسمع يومياً، أفراداً يتحدّثون عن الاحتجاجات الشعبية العربية، وعلى وجه اليقين، وكأنّهم هُم أنفسهم مَن ينظّمونها ويعدّون لها. ولا يتردّد أحدهم، في تقريع الناس والمجاميع وتأنيبهم، لأنّهم لم يتصرفوا اليوم كما «تحدّث..» البارحة..!؟

وبالعودة إلى الإعلام، وفكرة عيون السمك، والمصداقيات العربية الحائرة، فإنّ الصورة بالفعل يمكن أن تكون خدّاعة، إن لم تنحكم إلى عين «الكاميرا..» المفتوحة. فمشهد الحريق الضخم، في أوّل الشارع العربي، الذي يملأ فضاء عين «الكاميرا..» المحجّبة، ليس هو الحقيقة، وليس هو نفس الشارع العربي، الذي تُريك إيّاه عين «الكاميرا..»، التي تفتح مداها كلّه، على فضاء ذلك الشارع، فتُريك المتفرّجين والمتسكعّين والغامضين، الذين يختفون في بقية أزقّة وفضاءات الشارع الأخرى.

في زمن البؤس العربي، ونتيجة لغباء دُولٍ بوليسية، في مشرق العالم العربي وقلبه، دولٌ لا ترى في الإعلام سوى مجرّد بوق، لتعميم الجهل والتخلّف. في زمنٍ كهذا، إنزاحت، على حدّ تعبير طلال سلمان، «القيادة السياسية الفكرية – الثقافية»، من بلاد مؤهّلة بالنضج والثراء الثقافي، إلى كتلة دول عربية ثريّة، بامتلاكها لوسائل الإعلام، الأوسع انتشاراً والأقوى تأثيراً. فصودر الهواء، ووقعت الكلمة المطبوعة في فخِّ الغواية، وبها أيضاً صودرت شعارات الثورات الشعبية العربية، واستيقظ وهمٌ محمومٌ يقول: بأنّ هناك إمكانية للتحكّم بعقول المشاهدين والمستمعين،من خلال مخادعتهم ومنافقتهم من أجل تضليلهم..!؟

كثيرة هي وسائل الإعلام العربية اليوم، التي تحاول أن تستعير من السمك عيونه زوراً، لصالح سياسات لم تعد تجد حولها ما يبرّر استمرار وجود أصحابها. وبين رُكامٍ من المفاهيم والمفردات، حول الإعلام العربي، التي استهلكها «الرُغاء..» العربي الطويل، تبقى عيون السمك، الحيوية والطبيعية، هي أساس فكرة التصنيع الإعلامي. أما المصداقية والمهنية والشرف المهني، فليس لها، في بلادنا حتى الآن، سوى الانحدار، بقوّة الوزن الذاتي، نحو هاوياتٍ جديدة..!؟ (الدستور)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات