حماس ... من دمشق إلى القاهرة وبالعكس

في الأنباء، ودائما نقلاً عن مصادر استخبارية إسرائيلية، أن حركة حماس تنوي نقل مقرها الرئيس من دمشق إلى القاهرة، وأن هذا الموضوع، من ضمن موضوعات أخرى (شاليط، المصالحة استحقاق أيلول)، كانت موضع بحث في أثناء زيارة خالد مشعل الحالية إلى القاهرة...وفي التفاصيل، أن القاهرة جنحت بعد أشهر من التردد، لقبول الطلب الحمساوي المّلح.
لا يصعب على أي مراقب، حصيف أو غير حصيف، رؤية «الحرج» الذي تشعر به حركة حماس في علاقتها مع السلطة والمعارضة في سوريا، سواء بسواء...فالحركة تدين للنظام السوري بتوفيره الملجأ والملاذ لقياداتها خلال السنوات الاثنتي عشرة الفائتة من جهة...والحركة التي أيدت بحماس «ربيع العرب» لا يمكنها أن تتنكر له وهو يطرق أبواب دمشق من جهة ثانية...والحركة إخوانية المنشأ والمآل، لا يمكنها أن تتنكر لمعارضة سورية، تقع حركة الإخوان المسلمين في قبلها وصدارتها، من جهة ثالثة.
وزاد الطين (الحرج) بلّة، أن آلة القتل الدموية للنظام، وصلت إلى قلب مخيم اللاذقية وأحشائه الداخلية...طوال الفترة الماضية كان بمقدور حماس أن «تستظل» خلف شعار «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للأشقاء»، وإن كان الأمر غير مقنع تماماً...لكن حين تصل «الموسي» إلى شرايين المخيم وأوردته، لن يكون بمقدور حماس أن تصمت طويلاً، وهي إن صمتت مرغمة، فإن كلفة صمتها ستكون ثقيلة على الحركة وأنصارها.
منذ البدء، بدا أن «ربيع العرب» سيصب القمح صافياً في طاحونة حماس...الآمال العراض عُقدت على يقظة الشعوب، ودور الإسلاميين فيها...لم تأت الرياح بما تشتهي سفن الحركة ورهاناتها تماماً...فالنتائج التي أسفر عنها «ربيع العرب» جاءت دون سقف التوقعات، بل ودونه بكثير...على أن هذا القليل الأقل الذي أسفرت عنه ثورة 25 يناير المصرية على سبيل المثال، قد يكون كافياً لاستضافة مكتب أو مقار أو توفير مكان إقامة لمسؤولين حمساويين...على أن ذلك لن يكون مجاناً أيضاً ولن يكون بلا ثمن...لكنه الثمن الذي بمقدور حماس أن تدفعه وتتعايش معه، خصوصا إن تعلق بصفقة شاليت أو اتفاق المصالحة.
ولست أستبعد أن تأخذ الحوارات بين حماس والقيادة المصرية بهذا الخصوص ردحا من الوقت...ربما تكون حماس خلاله، قد «صوّبت» أوضاعها في سوريا...أو بالأحرى، ربما تكون سوريا قد «صوّبت» أوضاعها مع حركة حماس...فأوراق النظام السوري تتساقط بسرعة، وسيزداد تساقطها تسارعاً مع تساقط أوراق العقيد معمر القذافي، الذي تشير كافة الدلائل إلى أن «الفاتح» من سبتمبر / أيلول القادم، سيكون خاتمة عهده غير السعيد (بإذن الله).
لقد قلنا من قبل، وفي معرض التمييز بين موقفي حماس وحزب الله من الأحداث في سوريا، أن الحركة بخلاف الحزب، قد تجد لنفسها موطئ قدم في «سوريا ما بعد الأسد»...بل وقد توسع هذا الموطئ ليصبح «قاعدة خلفية» لها...أما الحزب، فسيكون سقوط النظام بالنسبة له، إيذاناً ببدء مرحلة تقطيع الشرايين والأوردة...وسيجد الحزب عنتاً في الحصول على أصدقاء من بين القوى والنخب السورية المختلفة، سيما بعد موقفه المنحاز بـ»فجاجة» إلى جانب النظام القائم.
الحركة بخلاف الحزب، ستجد في البيئة السياسية الإسلامية السنية، حاضنة لها، أياً كانت درجة الاقتراب أو الابتعاد من طروحاتها السياسية وأدوات «جهادها» وأشكاله...أما الحزب، فهو ليس مهدداً بخسارة حليفه السوري فحسب، بل وقد تجد حاضنته الإيرانية كذلك، نفسها مضطرة للانكفاء عن المشرق العربي، بعد أن تكون بوابته السورية قد أغلقت في وجهها، وأن تبدأ بإيلاء اهتمام خاص، بالدجاجة العراقية التي تبيض ذهباً، وبـ»الصيصان» الأقل أهمية، في قلب الجزيرة العربية وعلى أطرافها.
هي مرحلة صعود تكتيكي لـ»الإخوان» في العالم العربي، لا لأنهم قوة سياسية تتزايد شعبيتها وتتألق مع تطور الحراك الشعبي العربي، بل لأنهم القوة الوحيدة – تقريبا – المنظمة من بين مختلف قوى التغيير والإصلاح في العالم العربي، ومن الطبيعي أن يُصَبُّ القمحُ صافياً في طاحونتهم، لا سيما بعد رفع «الفيتو» الأمريكي الذي ظل مشهراً في وجه مشاركتهم في الحياة السياسية العربية...وفي هذه المناخات المتغيرة، فإن من الطبيعي أن تجني حماس ثمار «علاقتها العضوية» بالحركة الإخوانية الأم...وأقول مرحلة صعود تكتيكي، لأنني أحسب أن الفرصة باتت متاحة لأول مرة، أمام الشعوب لتختار حكامها وممثليها في عدد من الدول العربية، وفي ظني أن الإخوان لم يطوروا بعد، خطاباً وبرنامجاً، قابلين للصمود طويلاً في وجه مطالب المواطنين الجارفة بالحرية والكرامة ولقمة العيش والتنمية، وستبدي لنا ما كنا نجهل من خبايا ومن خفايا.(الدستور)