الإعلام يخدم الإنجازات ولا يخلقها

ليس صحيحاً أن الإعلام أصبح العامل الذي يحسـم الصراعات والخلافات في عصرنا ، سواء على مستوى الدول أو القوى السياسية والاجتماعية. وليس صحيحـاً أن قـوة الإعلام برزت خلال السـنوات الأخيرة بسبب الفضائيات ، فالإعلام ليس جديـداً ، يكفي أن نتذكر الدور الذي قامت به إذاعة صوت العرب، حيث كانت الملايين من المحيط إلى الخليج تستمع إلى (عرض كفاح العرب اليوم) كما يقدمـه أحمد سعيد ومحمد عروق بصوت متهدج.
كان صوت العرب قادراً في وقت ما على إلهاب العواطف وتحريك المظاهرات في مختلف العواصم العربية ، ومن ثم تحريـك الانقلابات العسكرية في اكثر من قطر.
صوت العرب الذي لعب على عواطف الجماهير العربية (من المحيط الهادر إلى الخليج الثائـر) لم يستطع أن يغطي على هزيمة 1967 التي تحققت على الأرض ، وكـل الخطابات العنتريـة ، لم تسـتطع أن تقنـع الجماهير بصدقية الاحتفال بالنصـر في سـيناء أو بورسـعيد أو أم المعارك.
مركز الثقـل انتقل من الكلمة المطبوعة إلى الصورة المتحركة ، واحتلت المحطات الفضائية موقعـاً متقدماً ، أما نجاح (الجزيرة) في استقطاب المشاهدين فقـد أدى إلى قيام محطات عديـدة لمنافستها تبث من دبي وبيروت ولندن وواشنطن وتل أبيب ، فضلاً عن أنه اضطرت أجهزة الإعلام العربية التقليديـة إلى تطوير أسـاليبها البالية لتحافظ على ما بقي لها من جمهور ، مما اعتبر بداية ثورة في الإعلام.
يحاول الإعلام صقل الصورة وتلميع الزعماء ولكنه لا يسـتطيع أن يخلق الصورة من لا شيء ، فالمهم هـو الحقائق على الأرض ، وكل إعلام الدنيا لا يستطيع أن يقنـع العربي ببركـات الاحتلال الأجنبي ، أو قبول الحكم المستبد ، ولا يسـتطيع أن يبرر العمالة للأجنبي ، أو يجمّل أنظمة الفسـاد والتخلف ، أو يقنعنا بأن إسرائيل تريد السـلام وأن أميركا تنشر الديمقراطية.
لا ينكر عاقل أهمية وأثر الإعـلام الناجح الذي يتمتـع بالمصداقية العالية ، وينتجه صحافيون أحرار ، لا يرزحون تحت قيـود أو سقوف ، ولا تحد من حركتهم الممنوعات والمحظورات.
الإنجازات الحقيقية تحتاج لإعلام قوي لإعلام الجمهور بها ، ولكن الإعلام لا يسـتطيع في غياب الإنجـازات أن يخلقها من لا شيء.(الراي)