لا «فاتح من سبتمبر» في التقويم الليبي الجديد

لم تكن نبوءة أبداً...كانت «أمنية» أو «تفكير رغائبي» بصوت مسموع في أحسن الأحوال، عندما أشرنا في مقال سابق إلى أن «فجر الفاتح من سبتمبر» لن يطل هذا العام، على مجنون ليبيا وعقيدها و»مجرمها الأشهر»...أحداث الأيام والساعات الأخيرة، أحيت فينا الأمل، بأن العقيد لن يصعد المنصة ثانية...و»الفاتح من سبتمبر» بات أثراً بعد عين...ولن نجد له مكاناً في التقويم الليبي الجديد...لقد وضعت الثورة أوزارها أو تكاد...والشعب الليبي سينعتق من نير «سلالة» القتلة والمجانين الذين لم ينجب التاريخ الحديث، نظيراً لهم في هذياناتهم وإجرامهم وتبديدهم لثورات البلاد ومصادرتهم لمستقبل العباد.
لا أتمنى الموت للعقيد المأفون...أتمنى له عمراً مديداً...أتمنى أن أراه كالفأر – الجرذ – المذعور خلف القضبان...يستمع قلقاً وراجفاً، للوائح الاتهام الموجهة إليه...ويتفحص بعينين زائغتين وجوه الأمهات والأطفال من عائلات الضحايا تحيط به من كل حدب وصوب...ليتذكر أولاً، أن العالم ما زالت لديه محاكم، وهو الذي ألغى المحاكم والقضاء...وليدفع ثانياً وعلى مهل، الأثمان الباهظة للجرائم التي قارفها، وليشرب من ذات «الكأس» التي أذاق الليبيين، كل الليبيين، مرارتها العلقمية.
لن أترفع ولن أتواضع...لن أسامح ولن أتبجح بـ»العفو عند المقدرة»...لا مغفرة ولا عفو عن هؤلاء...لا إفلات من العقاب بعد اليوم...للمجرمين مزابل التاريخ وزنازين السجون...ولا أقول أعواد المشانق، فالموت راحة بالنسبة لهؤلاء...تمنوا لهم معي، طول العمر والبقاء في أقبية السجون...»اللهم شماتة»، أقولها بالفم الملآن...»اللهم شماتة».
وأقترح أن نذهب نحن ضحايا العقيد من غير الليبيين، بلوائح الاتهام الخاصة بنا عن جرائمه المقترفة بحقنا وحق شعوبنا، إلى قاعات المحكمة...أما الجرائم التي اقترفها بحق ليبيا والليبيين، فهم الأولى بالادعاء فيها...سنذهب باسم آلاف العراقيين الذي قُتّلوا أو جُرحوا في «حرب المدن» بين العراق وإيران، حين كانت «ليبيا العقيد» المصدر الرئيس للصواريخ الإيرانية التي قصفت المدن العراقية...سنذهب باسم ألوف الفلسطينيين الذي ذاقوا مرارة القصف بصواريخ القذافي في نهر البارد والبداوي عندما كان مجنون ليبيا يدبر للانقسام الفلسطيني في ليل بهيم، ويدعم «المنشقين» الذي دخلوا طرابلس على أنقاض مخيماتها، في حربهم الهمجية ومطاردتهم اللاهثة لياسر عرفات وفتح والمنظمة...سنذهب باسم ضحايا الإرهاب الليبي الذين سقطوا بكواتم الصوت التي أعدها القذافي وكلف عملاء له بالضغط على «زنادها» لقتل هذا المعارض أو تصفية ذاك الكاتب أو المفكر.
سيدخل القذافي تاريخ ليبيا والمنطقة، من بوابات الخزي والعار...وسيدخل معه، كل من تواطأ معه، من قادة الشرق والغرب، لا لشيء إلا لأنه ظل واقفاً على رأس «إمبراطورية النفط والغاز الليبية» لأربعة عقود...ولن يغفر التاريخ لقادة دول «النيتو» أن زعماءهم أدوا ذات يوم، «فريضة الحج» إلى خيمة القذافي في صحرائه، وهي ذات الخيمة التي ظللت «الإرهاب» وشهدت على صدور الأحكام الإجرامية بحق شعبه ومعارضيه من ليبيين وغيرهم، وكانت مسرحاً لشذوذ القذافي وخطاباته الهاذية...من بيرلسكوني، تاجر البندقية الماجن، إلى هيلاري كلينتون، مرورا بطوني بلير وجاك شيراك وغيرهم من زعماء العالم «الحر»، الذين نسوا الحرية وتواطأوا على قتلها، نظير «حفنة من الدولارات» وعقود للنفط والسلاح وإعادة البناء.
ستدخل مراكز أكاديمية وجامعات عالمية مرموقة التاريخ من بوابة القذافي المجللة بالعار أيضا، وهي التي منحت نجله المأفون، سيف الإسلام، شهادات «عالية» مدفوعة الثمن مسبقاً، فيما يشبه الفضحية الأكاديمية، وهي على أية حال، فضيحة مستمرة ومتصلة، تُقرأ فصولها في كل مرة ترفع فيها يافطة باسم هذا الشيخ أو ذاك الأمير، على مدخل صرح علمي أو أكاديمي، مع أن هؤلاء المُحتفى بهم، في الغالب الأعم، أميّون، بالكاد يجيدون القراءة والكتابة.
مملكة القذافي تتهاوى...وعرشه يكاد ينطبق فوق رأسه ورؤوس أبنائه ومقربيه...وساعة النصر تقترب...و»الخاتم من آب اللهاب»، سينهي عصر «الفاتح من سبتمبر»، وإن لحظة الحساب قد حانت، وثمة رؤوس قد أينعت وحان قطافها...ومصائر القذافي ستكون فألاً سيئاً على كل «العقداء» و»الألوية» و»المارشالات» من حكام هذا الوطن الكبير وطغاته...وإن غداً لناظره قريب.(الدستور)