الجامعة و«اجتماع الفرصة الأخيرة» لدمشق

يبدو أن الاجتماع المقبل لجامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، والمقرر عقده غدا السبت في القاهرة، سيكون «اجتماع الفرصة الأخيرة» لدمشق، قبل أن تواجه موقفاً عربياً شبيهاً بالموقف الذي اتخذته الجامعة من الثورة في ليبيا، والذي مهّد الطريق ووفر الغطاء، لسلسلة من القرارات والإجراءات الدولية التي انتهت بتدخل حلف «النيتو» في الأزمة الليبية.
وفقاً لمصادرنا، فإن الاجتماع سيأخذ من مواقف كل من السلطة والمعارضة، ما يمكن أن يشكل «خريطة طريق» للخروج من الأزمة.. سيأخذ من خطاب المعارضة مضامين إصلاحية يدعو لترجمتها فوراً ومن دون إبطاء، ووفق جدول زمني شفاف وملزم.. وسيأخذ من خطاب السلطة، حديثه عن الأمن والاستقرار والسيادة، والحاجة لمواجهة الجماعات المسلحة واستئصالها.. وستكون هناك على الأرجح، نداءات لكل السوريين، سلطة ومعارضة، بالعمل على إنجاز أجندة «تلازم المسارين»: الأمن والإصلاح.
ليست الجامعة العربية لاعباً مهماً في سوريا، ولا هي كذلك في أي ساحة أو بؤرة عربية.. لكنها تصلح هنا، كما صَلُحت من قبل أكثر من مرة، لتوفير الغطاء والمظلة و»الشرعية» للاعبين الأكثر أهمية على المسرح الإقليمي والدولي.. لقد وفرت غطاء الحرب على العراق في 1991، وغطاء التدخل الأطلسي في ليبيا 2011.. وليس مستبعداً أن توفر غطاء التدخل في سوريا، في «لحظة ما» في سياق تطور الأزمة السورية.
معنى ذلك، أن دور الجامعة مهم لاستدعاء وتفعيل وتنشيط أدوار أخرى.. من دون أن يعني ذلك أن التدخل الدولي في الأزمات العربية، يشترط دائماً الحصول على «الإذن» و»الاستئذان»، فقد اندلعت معارك وشُنّت حروب على هذه الدولة أو تلك، من دون موافقة الجامعة أو غطائها، بل وبالضد من المواقف المعلنة على أقل تقدير، للجامعة العربية، أليس هذا ما حصل في الحرب على العراق- 2003؟.
لكننا مع ذلك، ننظر إلى اجتماع القاهرة بوصفه «فرصة» لجميع الأطراف للخروج من لحظة «الاستعصاء» في الأزمة السورية، وقطع الطريق على تداعياتها التي لا يعرف بشأنها أحد.. وأحسب أن الحكمة تقتضي من القيادة السورية أن تسرع في إيفاد الوزير وليد المعلم، للمشاركة شخصياً في الاجتماع، وان لا تكتفي بحضور المندوب الدائم عنها، وأن يسهم -المعلم- باسم سوريا، في رسم «معالم خريطة الطريق» المقترحة لبلاده، وأن يعلن تبنيها رسمياً، بل وأن يطلب من الجامعة، تشكيل «لجنة متابعة» لهذا الغرض، على أن تكلف هذه اللجنة، بمتابعة مختلف فصول هذه الخطة مع المجتمع الدولي، وأن تضعه أولاً بأول في صورة التطورات والمستجدات.
وقف عمليات القتل، هو أولى أولويات الخطة المقترحة.. هل لدى النظام مشكلة مع هذا البند، وهو الذي أعلن وقف العمليات الحربية والأمنية في طول البلاد وعرضها.. لا أحد سيعترض على «العمليات الأمنية» ضد الجماعات المتطرفة، فإن كان هذا ما يجري فعلاً في سوريا، فهل ثمة ما يحول دون وضع هذه التطورات أولاً بأول على مائدة الجامعة ولجنة متابعتها، إن تم تشكيلها، بل ولماذا لا تطلب السلطات السورية من الجامعة العربية، رسمياً وبمبادرة منها، إرسال موفد مقيم إلى العاصمة السورية، طالما أنها مستمسكة بروايتها، وتعتبر نفسها ضحية «التضليل الإعلامي».. لماذا لا تستدعي شهوداً على صحة روايتها وصلابة ما تقول، مستفيدة من أن مصر، الدولة المضيفة، لم تعد في الخندق المعادي لها كما كانت زمن الرئيس المخلوع.. وأن سلطنة عمان هي من يرأس الدورة الحالية للمجلس، وهي دولة اشتهرت بالحياد والاتزان والرغبة العميقة في عدم التدخل في شؤون الآخرين.
أما بالنسبة لأجندة الإصلاح، فإن قطاعات واسعة من السوريين لا تريد مصائر «ليبية» او «عراقية» لبلادهم.. وهي تخشى استدعاءات فريق من المعارضة لتدخل أطلسي، وترغب في إصلاح سلمي، جاد وجدي، ويسير في طريق صاعد وذي اتجاه واحد.. لا تريد وعوداً فارغة، لم ينلها منها سوى نقيضها، ولا تريد في المقابل، خراب البلاد وموت العباد.
ليست الجامعة العربية رافعة للإصلاح أو أداة له، ولم يعرف أنها أن وسيلة لبناء نظام أمني إقليمي يحفظ أمنه دوله الفردي والجماعي.. لكن أما وقد تنطحت لهذه المهمة، فلا بأس، وطالما أن وظيفة الجامعة باتت تنحصر في توفير الغطاءات والمظلات، فان الحكمة تقتضي من دمشق، أن تتفيأ بالجامعة، والانسجام مع مخرجات اجتماعها المقبل، لتفادي الخط المتصاعد للتدخل الدولي، والذي بدأ لأول مرة، يثير مسألة التدخل العسكري من زاوية الشروط والاحتمالات والأشكال والتداعيات، فهل تتحرك دمشق، قبل خراب حمص وحماة ودرعا، أم أن «الحل الأمني»، لم يستوف فصوله الدامية بعد؟.(الدستور)