احذروا المشككين

بالقدر الذي تحتاجه الثورة إلى ثقافة المشاركة, والنزوع نحو الوحدة والتماسك بين قوى الإصلاح الفاعلة في الواقع والميدان, بحيث تشكل خطوة ضرورية على صعيد إمكانية المواجهة مع قوى الفساد والاستبداد التي ستواصل التشبث بالوضع القديم بكل قوة وصلابة, وفي القدر نفسه يجب على قوى الإصلاح التي تقود ثورة النهوض العربي أن تحذر من المشككين الذين يقودون معركة التشكيك والتأييس والإحباط, وزرع الفتنة; لزعزعة صفوف الإصلاحيين, وإشاعة التناقض والاختلاف بين مكونات التجمّع الإصلاحي, لينفرط عقده من الداخل من خلال افتعال المعارك على الغنائم واقتسام الكعكة.
إنّ الذين يركبون موجة الهجوم المستمر على الحركة الإسلامية والإسلاميين عموماً, واللعب على حبل التفريق بين الإسلاميين من جهة والقوى الإصلاحية المتعددة الأخرى المتحالفة معها, رغم وجود الاختلاف الفكري والأيدولوجي, أو الاختلاف بالمنهج والأسلوب; إنّما يعملون على ضرب نواة الإصلاح الصلبة, ويشكل ذلك أكبر أسلوب تخريبي ضد ثورة النهوض العربي, وترى هؤلاء يعمدون دائماً إلى أسلوب التشكيك واختراع المؤامرات وتخيل الصفقات التي لا وجود لها إلاّ في الخيالات المصطنعة.
إنّ الحركة الإسلامية أعلنت أنّها مع شعبها, لا تتقدم عليه ولا تتأخر عنه, أخذت على عاتقها العمل مع كل قوى الإصلاح, ومع كل الخيرين, ومع كل جهدٍ ايجابيٍ في هذا الشعب الطيب; من أجل محاربة الاستبداد المتحالف مع الفساد, والانتقال معاً نحو بناء دولة مدنية حديثة تكون الكلمة فيها للشعب والسلطة الكاملة فيها للشعب وحده, وتحتكم إلى صناديق الاقتراع في التمثيل والاختيار. بعيداً عن التبعية والارتهان للأجنبي, ويكون البناء كلّه معتمداً على الجهد الذاتي, ويستمد تطلعاته المستقبلية من فكره الأصيل وهويته الحضارية الأصيلة.
كل من يريد خدمة الإصلاح, وكل من يريد أن يسهم في مساندة الفعل الإصلاحي الشعبي, عليه أن يكون ايجابيّاً, في جمع كلمة قوى الإصلاح, ورص صفوف التيار الإصلاحي بقوة وتماسك, أمام تحالف النخب الفاسدة, وكل من يحمل ذرة من الانتماء لهذا الشعب, وكلّ من يحمل ذرة من الفكر الإصلاحي عليه أن يسهم في تقوية الفعل الإصلاحي, وإشاعة ثقافة الإصلاح التي تقوم على فكر المشاركة دون إقصاء أو استبعاد لأي جهد إصلاحي حقيقي.
قوى الإصلاح الفاعلة والمؤثرة, بحاجة إلى ميثاق جامع يحوي المبادئ العامة, والقواعد الراسخة التي تكون محلاً للاتفاق والإجماع بين جميع العقلاء الذين انخرطوا في العملية الإصلاحيّة الحقيقية التي تبين الحدّ الأدنى من مستوى الإصلاح الذي لا نتنازل عنه, وأن لا يقبل في صفوف الإصلاحيين إلاّ الذين وقفوا في صفّ الشعوب الثائرة على الظلم والاستبداد والفساد والديكتاتورية, وأن يحذروا من أدعياء الإصلاح, الذين يحاولون تفتيت تيار الإصلاح من داخله.
من أعظم ايجابيات ثورة الإصلاح العربي أنّها كاشفة للحقائق ولو بعد حين, هذه الثورة العربية المجيدة سوف تعيد بناء المجتمعات العربية, وتضع خارطة جديدة لصيغة الصراع, وسوف تخلق خطوط المواجهة والاصطفافات الحقيقية الجديدة, وسوف ينكشف حبل الكذب والتذاكي والتنظير المزيّف, وسوف ينكشف أولئك المتصيدون الذين يبحثون عن الغنائم والمواقع من خلال المهارة في القدرة على تزييف الحقائق وتشويهها, أولئك الذين يطعنون المصلحين في ظهورهم, وصدق الله عزّ وجل القائل }لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين.(العرب اليوم)